الخطاب في استفتهم لرسول الله (ص) ، وضمير الغائب لمشركي العرب .. والقرآن حجة تاريخية عليهم لا تقبل الشك والجدل ، وقد سجل على بعض القبائل منهم انهم كانوا يقولون : اتخذ الله من الملائكة إناثا له ، ثم رد سبحانه قولهم بأنه رجم بالغيب وعمى عن الحق لأنهم لا يعرفون عن الملائكة شيئا. وفي معنى ذلك الآية ١٩ من سورة الزخرف : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) والآية ٤٠ من سورة الاسراء ج ٥ ص ٤٦.
(أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). يأتي الافك بمعنى الصرف ، ومنه الآية ٢٢ من سورة الأحقاف : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا) أي لتصرفنا عنها ، وهذا المعنى هو المراد من الإفك هنا أي انهم من أجل انصرافهم عن التوحيد الى الشرك قالوا : ان لله ولدا .. وليس من شك انهم كاذبون في هذا القول (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) أيختار سبحانه الأدنى ، ويخصكم بالأعلى ـ كما تزعمون ـ (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) ـ ٥٧ النحل ج ٤ ص ٥٢٣.
(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) على ما غاب عن عيونكم وعقولكم؟ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) وترتدعون عن الشرك وقول الزور ، وقد ذكركم الله وحذركم بلسان نبيه وأمين وحيه (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). أروني حجة من عقل أو نقل ان الله اتخذ من الملائكة إناثا.
(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً). اختلف المفسرون في معنى هذه الآية ، والذي نفهمه من ظاهرها ان المشركين نسبوا لله تعالى نسلا من الجن كما نسبوا اليه ذلك من الملائكة. وفي بعض التفاسير نقلا عن مجاهد ومقاتل : ان كنانة وخزاعة قالوا : خطب الله الى سادات الجن ، فزوجوه من سراة بناتهم ، وان الملائكة بناته من الجنيات.
(وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) كيف يكون نسب بينه وبين الجن ، وهم يعلمون ان الله خلقهم وانه يبعثهم ويسألهم عما كانوا يعملون (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) وتعالى عما يقول المشبهون والجاحدون علوا كبيرا (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) فإنهم ينزهونه عن الشريك والولد ، ويخلصون له في الأقوال والأفعال وهو سبحانه يثيبهم على ايمانهم وإخلاصهم بأحسن ما كانوا يعملون.