وإيابا على أرض قوم لوط ، ويرون آثار الهلاك والدمار ، فحذر سبحانه مشركي العرب الذين كذبوا محمدا (ص) قائلا لهم : ألا تعتبرون بما قد رأيتم من ديار قوم لوط كيف أصبحت خالية خاوية؟ ألا تخافون أن يصيبكم ما أصابهم؟
(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ). يونس هذا هو ذو النون الذي جاء ذكره في الآية ٨٧ من سورة الأنبياء : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) وأيضا هو صاحب الحوت الذي أشارت اليه الآية ٤٨ من سورة القلم : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ). وقال بعض المفسرين : ان يونس من أهل نينوى بكسر النون. وفي قاموس الكتاب المقدس : «ان نينوى كانت عاصمة الأشوريين ، وانها ازدهرت ازدهارا عظيما في بعض القرون للميلاد ، وانها كانت على الضفة الشرقية من نهر دجلة ، وان أهلها كانوا يعبدون الإلهة عشتار أو عشتروت التي اشتركت في عبادتها معظم شعوب العالم القديم».
(إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ). دعا يونس قومه الى عبادة الله ، فلم يستجيبوا لدعوته ، فضاق صدره بهم ، وهاجر مغاضبا لهم حتى إذا انتهى الى ساحل البحر وجد سفينة مشحونة بالناس والأحمال ، فسأل أهلها أن يصحبوه ففعلوا ، ولما توسط البحر أشرفت السفينة على الغرق ، وكان لا بد من إلقاء واحد من ركابها في البحر لتنجو من الغرق ، فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس ، فألقى نفسه في البحر (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) لأنه لم يصبر على أذى قومه كما صبر غيره من الأنبياء.
(فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). وبيّن سبحانه نوع تسبيحه في الآية ٨٧ من سورة الأنبياء : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ ـ أي في بطن الحوت ـ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فاستجاب الله لندائه ، ونجّاه من سجنه السيار في بطون البحار ، ولولا لجوءه الى الله مخلصا لكان سجنه مؤبدا الى قيام الساعة.
(فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ). قالوا : خرج من بطن الحوت كالفرخ الممتعط في فلاة لا أنيس فيها ولا حسيس ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين يستظل بها (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا