ج ٤ ص ٣٩١ فقرة : عقول الناس لا تغنيهم عن دين الله بيّنا لما ذا عبد المشركون أحجارا تبول عليها الكلاب والثعالب (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) يوهم قومه أنه يبحث عن خالق الكون لأنهم كانوا يعبدون آلهة كثيرة وبنوع خاص «نانار» إله القمر وزوجته «ننجال» (قاموس الكتاب المقدس). وفي معنى هذه الآية ما جاء في الآية ٧٦ من سورة الانعام.
(فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ). للمفسرين في معنى سقيم أقوال ، أرجحها ان المراد به هنا الشاكّ ، وعليه يكون المعنى ان ابراهيم قال لقومه : انا الآن في حيرة أبحث وأدقق لأهتدي الى معرفة الخالق ، وقد نظرت في الأصنام فأيقنت انها ليست بآلهة ، ثم نظرت في النجوم فلم أهتد الى شيء بل بقيت على شكي وحيرتي. والسياق يعين إرادة هذا المعنى أو يرجحه ـ على الأقل ـ لأنه ربط بين قوله : اني سقيم وبين نظرته في النجوم .. وليس في قوله : اني شاك أيّ كذب .. كلا ، لأنه من باب المماشاة مع الخصم ليأخذه بالحجة ، ويقطع عليه كل معذرة.
(فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ). تركوه وشأنه وذهبوا الى شأنهم (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ). أسرع الى الأصنام مغتنما فرصة غيابهم عنها ، وكانوا قد وضعوا بين يديها طعاما لتباركه (فقال ـ للأصنام ـ ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون)؟ ومعلوم انه قال هذا ازدراء بها ، واحتجاجا على من يعبدها ويتبرك بها (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ). مال على الأصنام يحطمها بيمينه حتى جعلها قطعا قطعا الا كبيرا لهم لعلهم اليه يرجعون (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ). أسرع القوم الى ابراهيم وقالوا له : أأنت فعلت هذا يا ابراهيم (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ)؟ ويلكم لا تفتروا على الله كذبا .. ان الإله خالق غير مخلوق ، ورازق غير مرزوق ، وقد صنعتم هذه الأصنام بأيديكم وتقدمون لها الأطعمة وتحرسونها من الاعتداء ، فكيف تكون آلهة؟ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) هو خالق كل شيء واليه المصير.
(قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ). عجزوا عن مقابلة الحجة بالحجة فلجئوا الى القوة كما هو شأن الطغاة ، يضرمون النار ، ويلقون فيها دعاة الحق والخير كما كانت الحال في القديم ، ولما تقدم العلم المدمّر ألقوا النار على الشعوب المستضعفة بنسائها وأطفالها (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) حيث جعل