المجرمون ويتلاومون حين يرون العذاب ، ويلقي الضعفاء التبعة والمسئولية على الرؤساء ، ويقولون لهم فيما يقولون : لولا اغراؤكم وخداعكم لكنا مؤمنين .. وعبروا عن هذا الخداع باليمين لأن العرب تتفاءل بما يأتي من جهة اليمين ، فقولهم : تأتوننا عن اليمين أشبه بقول القائل : أتاني من ميولي ورغباتي. وتقدم مثله في الآية ٣٨ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٢٦.
(قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ). هذا قول الرؤساء أجابوا به الضعفاء ، ومحصّله : ما كنا نملك إلا الدعوة وتزيينها ، وقد دعوناكم الى الكفر فاستجبتم ، ودعاكم الرسول الى الايمان فنفرتم ، والسر هو خبثكم وطغيانكم وإلا فأي سلطان لنا عليكم لو آمنتم بالله ورسوله كما آمن غيركم؟ وقد كان من نتيجة كفرنا واغوائنا لكم ، واستجابتكم لنا ان حقت علينا وعليكم كلمة العذاب ، كما ترون .. وليس بعد العذاب الذي نقاسيه من مستعتب. وتقدم مثله في الآية ٢٥ من سورة العنكبوت و ٦٧ من سورة الأحزاب.
(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ). هذا من كلام الله سبحانه ، ومعناه ان العذاب يقع على جميع المجرمين في ذلك اليوم الذي تساءلوا فيه وتلاوموا (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ). عقاب صارم ، وعذاب دائم من غير فرق بين التابع والمتبوع.
(إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ). تعالوا وتعاظموا عن قبول الحق وكلمته ، فأصابهم ما أصاب المستكبرين قبلهم من بأس الله وعذابه (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ). قال المفسرون : خلط المشركون في كلامهم ، وارتبكوا في غيهم حيث وصفوا الرسول الأعظم (ص) بالشاعر والمجنون معا مع ان الشاعر ينتقي المعاني بفكر وروية ، ويؤلف بينها بدقة وإحكام ، ويعبر عنها ببراعة وإتقان ، وأين المجنون من هذا؟
(بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ). كلا ، ما هو بشاعر ولا مجنون ، وإنما هو رسول كريم ، جاء بالحق من عند الله ، وصدق من تقدمه من الرسل ، وما بين يديه من الكتب .. وبعد ، فإن المجنون خير وأفضل ممن وصف محمدا (ص)