الذي كنتم به تكذبون). إذا جاءهم الحق ، وسنحت الفرصة للعمل قالوا : هذا كذب وسحر لا يصدق به إلا جاهل مخدوع. وإذا فات أوان العمل وجاء وقت الجزاء وذاقوا وبال أمرهم قالوا : يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين .. وتتكرر هذه الصورة في كل حين .. يسعى الجاهل فيما يضره ، فينهاه العاقل الناصح ، ويحذره من العواقب ، ولكنه يسخر ويركب رأسه حتى إذا وقعت الواقعة ، وجاءه البلاء الذي لا مفر له منه ، وأدرك أنه أخيب الناس سعيا عض يد الندامة وقال : يا ليتني لم أك شيا.
(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ). المراد بالأزواج هنا الأشكال والأشباه ، وتومئ الآية الى تصنيف المجرمين ، وان المشرك يحشر مع المشركين في مكان واحد من جهنم ومعهم الأصنام التي كانوا يعبدون ، وكذلك السارق مع السارقين ، وهكذا كل شكل الى شكله قرين تماما كما كانوا في الحياة الدنيا (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ). بعد أن يتم حساب المجرمين يقال للملائكة : عجلوا بهم إلى سواء الجحيم.
(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ). قبل أن تذهب الملائكة بالمجرمين الى جهنم يحبسون الى السؤال عما كانوا يعملون. وفي بعض الروايات : يسأل المرء يومذاك عن عمره فيم أبلاه ، وعن ماله مم كسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ما ذا عمل به ، أما التوفيق بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) ـ ٣٩ الرحمن أما هذا التوفيق فقد أشرنا إليه أكثر من مرة ، ويتلخص بأن لليوم الآخر مواقف يسأل المرء في بعضها دون بعض. انظر تفسير الآية ٦٥ من سورة يس.
(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ)؟ الخطاب للمجرمين ، والمعنى يقال لهم غدا : لما ذا لا يدفع بعضكم العذاب عن بعض في هذا اليوم ، وقد كنتم في الحياة الدنيا متكافلين متضامنين ضد الحق وأهله. والغرض من هذا السؤال التقريع والتوبيخ (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ). انقادوا لأمر الله لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.