وهذه أيضا إحدى ظواهر الإعجاز في القرآن .. وختم الكاتب صاحب كتاب «الله والإنسان» مقاله الطويل بقوله : «ان القرآن لفظا ومعنى من الله الذي أحاط بكل شيء علما».
(لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ). بعد أن ذكر سبحانه ان محمدا (ص) هو رسول الله حقا ، وان القرآن تنزيل من العزيز الرحيم ـ بيّن مهمة القرآن وانه يهتف بالزواجر عن محارم الله في إسماع العرب الغافلين عن الله والحق دون ان ينذرهم منذر قبل رسول الله (ص). وعند تفسير قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) ـ ٢٤ فاطر قلنا : ان المراد بالنذير في هذه الآية كل ما تقوم به الحجة من العقل والنقل ، وان المراد بالنذير في الآية التي نحن بصددها هو النبي بالخصوص.
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). المراد بالقول هنا الوعيد بالعذاب ، وضمير أكثرهم يعود الى الآباء في قوله تعالى : (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) أي آباء العرب الذين كانوا في عهد رسول الله (ص) حيث مات أكثرهم على الشرك ، والقليل القليل منهم كانوا على دين التوحيد. أنظر تفسير الآية ١٠٧ من سورة الإسراء ، فقرة «الحنفاء» ج ٥ ص ٩٦.
(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ). الأغلال جمع غل وهو الطوق من الحديد ، والأذقان جمع ذقن وهو مجتمع اللّحيين .. وإذا شدت الأيدي بالأغلال الى الأعناق ارتفع الرأس إلى فوق ، واستحال على المغلول ان يلتفت يمنة ويسرة أو ينظر الى الأمام فهو أبدا ينظر الى السماء ، وهذا هو المقمح (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ). يجعلهم الله يوم القيامة بين سدّين من نار : واحد من أمامهم وآخر من خلفهم لا يجدون متقدّما عنهما ولا متأخرا ولا يبصرون سماء ولا غيرها لأن السدين قد أعميا أبصارهم .. وغير بعيد أن يكون هذا كناية عن أليم العذاب وشدته ، ومهما يكن فإن هذا العذاب وما اليه لا يختص بالمشركين ، بل يعم كل مجرم وظالم ، قال الإمام علي (ع) : «أما أهل معصيته فأنزلهم شر دار ، وغل الأيدي الى الأذقان ، وقرن النواصي بالأقدام ، وألبسهم سرابيل القطران ، ومقطعات