كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). ضمير عليهم وقالوا يعود الى مشركي العرب ، ومرادهم بالرجل محمد (ص) وقد وصفوه بالافتراء والسحر والجنون لأنه دعاهم الى نبذ الوثنية وتقاليدهم الجاهلية والكف عن المحارم والفواحش واراقة الدماء والتحكم بالضعفاء ، وإلى العمل بالعلم والعدل .. هذا هو ذنب الرسول الأعظم عندهم ، وهو ـ كما ترى ـ ذنب العالم المخلص عند الجاهل الخائن ، والطبيب الناصح عند العليل الذي يرى نفسه سليما معافى .. وصدق من قال : يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه.
(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ). أشركوا بالله ، وكل شيء يدل على انه واحد ، وقلدوا الآباء والأجداد ، ولا حجة لهم من وحي منزل أو نبي مرسل أو أثارة من علم. أنظر تفسير الآية ٣ من سورة الحج ج ٥ ص ٣٠٨ فقرة «جدال الجهل والضلال» (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ). لقد أشرك قبلكم كثير من الأمم ، وكذبوا الرسل كما كذبتم رسولكم ، وكانوا أكثر منكم قوة وحضارة ، ومع ذلك أخذهم الله بظلمهم وتمردهم .. ألا تعتبرون بهم ، وتخافون أن يصيبكم ما أصابهم؟ وتقدم مثله في الآية ٦٩ و ٧٠ من سورة التوبة ج ٤ ص ٦٧.
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ). أعظكم أدعوكم ، وواحدة خصلة واحدة ، ان تقوموا لله أن تتجردوا للحق بعيدين عن التقاليد والأهواء ، ومثنى ان يراجع أحدكم الآخر وتتدارسوا دعوتي ورسالتي. وفرادى ان يرجع كل منكم الى عقله وضميره وينعم الفكر فيما جئتكم به .. والمعنى قل يا محمد للذين كذبوك : أنا لا أطلب منكم إلا شيئا واحدا ، هو العدل والانصاف ، هو ان تفكروا مجتمعين ومنفردين في دعوتي بوعي وإخلاص ، ثم تنظروا : هل أنا مفتر أو ساحر أو مجنون كما تزعمون ، أم أنا بشير ونذير ، وناصح بصير؟ .. وقد دعا النبي الكريم أهل الكتاب الى مثل هذه الدعوة : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) ـ ٦٤ آل عمران ولا شيء أصدق في الدلالة على صدق رسول الله (ص) في كل ما جاء به من