ومن هو السائل والمسئول؟ والأرجح ان الضمير يعود بقرينة السياق الى من في السموات والأرض وان هذا الفزع يحصل للجميع عند قيام الساعة إلا من شاء الله ، كما جاء في الآية ٨٧ من سورة النمل : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ). وقلنا أكثر من مرة : ان آيات القرآن يفسر بعضها بعضا ، وعليه يكون المعنى انه عند قيام الساعة ينقسم أهل السماء والأرض فريقين : فريق يأخذه الفزع الأكبر ، وفريق من فزع يومئذ آمنون ، والى هؤلاء أشار سبحانه بقوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) فإذا هدأ روع الفريق الأول قليلا سأل الفريق الثاني : ما ذا قال ربكم؟ أي ما هو مصيرنا ومآلنا؟ فيجيب الفريق المسئول : ان الله قال الحق وهو العلي الكبير. وهذا الجواب على اجماله يومئ الى أنه لا شريك ولا معين لله ولا شفاعة عنده إلا بإذنه.
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). الخطاب في قل لرسول الله (ص) وفي يرزقكم للمشركين ، أما رزق السماء فهو المطر والضياء ، ورزق الأرض النبات والزرع (قل الله) لا الأصنام ولا الملائكة ولا عيسى وعزير ، ولما كان هذا هو الجواب الوحيد أمر سبحانه نبيه الكريم أن يجيب به عن المسئولين.
(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). النبي على يقين انه على هدى ، وان المشركين على ضلال ، ولكن لما أبوا الإذعان للهدى والحق خاطبهم بهذا الأسلوب الحكيم ، وقال لهم : ان أحدنا محق والآخر مبطل ، فارجعوا إلى عقولكم واسألوها : أينا على صواب؟ وهذا من أسلوب نبي الهدى والرحمة ، بالاضافة إلى ان المحق يثق من نفسه حتى ولو خالفه أهل الأرض أجمعون.
(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ). هذا مثل قوله تعالى : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ـ ٤١ يونس ج ٤ ص ١٦٢ (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ). لليوم الآخر أسماء ، منها يوم الجمع ، قال تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) ـ ٩ التغابن والفتح الحكم والفصل ، والمعنى ان الله سبحانه سيجمعنا وإياكم لنقاش الحساب والجزاء والأعمال ، وعندئذ