فتوجهت اليه مع حاشيتها ، وتركت عرشها العظيم يحفظه الجنود والحراس ، وحين علم سليمان بقدوم بلقيس أحب أن يريها آية تدل على نبوته وعظمته ، وان تكون هذه الآية والمعجزة أخذ عرشها الذي هو مظهر عزها وملكها ، فسأل من كان بين يديه : أيكم يأتيني به؟
(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ). سخر الله سبحانه لسليمان الريح تجري بأمره ، وهذه معجزة خارقة ما في ذلك ريب ، وسخر له الطير يأتمر بأمره ، وهذه أيضا معجزة ، وأيضا خصه الله ببعض الجنود من الإنس والجن يأتون بعجائب الأعمال بالنسبة إلى عصرهم ، وكانوا يرافقون جند سليمان يستعين بهم للتغلب على العدو تماما كالفنيين وأهل الاختصاص الذين يحتاج اليهم الجيش المحارب في هذا العصر ، ويومئ إلى ذلك طلب سليمان منهم أن ينقلوا اليه عرش بلقيس في لحظات ، وهو يعلم ما بينه وبين مكان العرش من البعد ، فقال له بعض الجن : أنا آتيك به سالما كما هو ، وأنت في مجلسك هذا و (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) فكان النصر لهذا حيث استطاع بسلطان ما عنده من العلم أن يأتي بالعرش المطلوب في لحظة لا في لحظات.
هذا ما دل عليه ظاهر الآية ، أما التساؤل : من هو هذا الذي عنده علم من الكتاب؟. هل هو من الملائكة أو الخضر أو عبد صالح من الإنس اسمه آصف ابن برخيا ، وانه كان يعلم اسم الله الأعظم؟. وأي نوع من العلم استخدمه في نقل العرش هل هو اسم الله الأعظم أو غيره ، أما هذا التساؤل وما اليه من التساؤلات الكثيرة فجوابها عند ربي ، لأن الآية لم تصرح ، والحديث الصحيح لم يثبت ، فمن أين يأتي العلم باسم من نقل هذا السرير ، وبنوع العلم الذي كان عنده؟ وأقرب الاحتمالات انه لم يكن من الجن لأن النصر كان له على عفريت من الجن كما صرحت الآية السابقة ، وانه نقل العرش بمعجزة خارقة حيث أتى به قبل أن يرتد الطرف .. والمعجزة كما تظهر على أيدي الأنبياء فإنها تظهر أيضا على أيدي الذين يصطفيهم الأنبياء بأمر الله تعالى.
ومحل العبرة والعظة في هذا الحادث ان بلقيس صاحبة الملك والنعيم قد خضعت