ولما رأى المؤمنون جيش الأحزاب يحاصرهم من كل جانب : «قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله» وازدادوا ايمانا على ايمان ، وطاعة على طاعة لله وللرسول حيث رأوا بالعيان صدق الوعد والنبوءة ، أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فقد ازدادوا نفاقا وعنادا وقالوا : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً).
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) من الجهاد والثبات عند لقاء العدو حتى الموت (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) قبل وقعة الأحزاب كالذين استشهدوا يوم بدر وأحد (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الشهادة أو النصر (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). وأيضا المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما بدلوا بل ماتوا على النفاق. وقال المفسرون : ان انس بن النضر غاب عن بدر ، فشق ذلك عليه ، وقال : لقد غبت عن أول مشهد شهده رسول الله (ص) ، ولئن أراني الله تعالى مشهدا مع رسول الله (ص) فيما بعد ليرينّ ما أصنع ، فشهد يوم أحد ، فاستقبله سعد ابن معاذ ، فقال له : يا أبا عمرو إلى أين؟ قال : واها لريح الجنة ، والله اني لأجدها دون أحد .. فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه ، وقد وجد في جسده الشريف بضع وثمانون ضربة وطعنة ورمية.
(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) وعادلا وحكيما ، لا لغو ولا عبث في مشيئته وأفعاله ، فهو يثيب من يستحق الثواب كأهل الصدق والايمان ، ان استمروا على صدقهم وايمانهم ، ويعذب أهل الكفر والنفاق ان أصروا على الكفر والضلال ؛ وان تابوا شملهم برحمته ، وغفر لهم ما سلف ، فقوله تعالى : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) معناه انه يشاء تعذيبهم ان لم يتوبوا ، والدليل على ذلك قوله : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي ان تابوا تاب عليهم وغفر لهم وشملهم برحمته.
(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ) وهم الأحزاب الذين تجمعوا لقتل النبي (ص) بقيادة أبي سفيان (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) أي ما زعمته الأحزاب انه خير ، وهو الظفر بالنبي ومن آمن معه (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً).