وبنو قريظة وبنو النضير من اليهود من قبل المشرق ، وجاءت قريش وبنو كنانة وأهل تهامة من قبل المغرب (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ). هذا كناية عن شدة الخوف والفزع (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا). ظن بعض من آمن ان الله لن ينصر دينه ونبيه ، وقال بعض المنافقين : وعدنا محمد بكنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه ان يذهب الى حاجته .. وليس من شك انه لا عذر أبدا للمنافق ، أما من آمن ثم تساءل بحرقة وقال : لما ذا لم يخسف الله الأرض بالظالمين ، أو ينزل عليهم صاعقة من السماء ، أما هذا فلا نستبعد انه معذور عند الله ما دام مؤمنا به في قرارة نفسه.
(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً). لا تظهر كوامن النفس على حقيقتها إلا عند الشدائد والامتحان بالمخاوف والمكاره .. وكانت وقعة الخندق امتحانا قاسيا للمؤمن والمنافق على السواء حيث ظهر كل على حقيقته (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) وهم الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الايمان (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم أصحاب الايمان الضعيف الذين صدّقوا المنافقين من غير روية. قال هؤلاء وأولئك : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً). هم لا يؤمنون بالله ولا برسوله لأن المؤمن لا ينطق بمثل هذا الكفر ، وانما قالوا هذا ليشككوا البسطاء وضعاف العقول.
(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا). حين باشر النبي والصحابة بحفر الخندق قال جماعة من المنافقين : وما جدوى الخندق؟ انه لا يغني عن الحرب شيئا ، قالوا هذا قبل أن تأتي الأحزاب ، ولما جاءت قالوا للمقاتلين : لا طاقة لكم بهذا الجيش الجرار ، ولا نجاة منه إلا بالفرار والاستسلام .. تذكرت وأنا أفسر هذه الآية عملاء الصهيونية والاستعمار الذين ينشرون في هذه الأيام الهلع والفزع من قوة إسرائيل ، تذكرتهم حيث علمت ان لهم أشباها ونظائر في الزمان القديم ، وان للحرب النفسية جذورا عميقة في التاريخ ، وما هي من بدع الصهيونية والاستعمار ، بل شيء بال وعتيق لا ينخدع به إلا ساذج العقل وقاصر النظر.
(وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ). كان بعض المنافقين