هبت ريح عاتية دكت معسكر الأحزاب ، واقتلعت خيامهم ، وأفسدت كل شيء ، فانسحبوا مخذولين بقيادة أبي سفيان ، وأيّد الله نبيه بنصره ، وهتف يقول : لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، فلا شيء بعده.
واتفق الرواة على أن هذه الغزوة كانت في السنة الخامسة من الهجرة ، واختلفوا في تعيين الشهر ، فمن قائل : انه ذو القعدة ، وقائل : انه شوال. هذا مجمل غزوة الأحزاب ، والتفصيل فيما يلي من شرح الآيات :
المعنى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً). اذكروا أيها المؤمنون الذين كنتم مع رسول الله (ص) في غزوة الخندق تحيط بكم الأعداء من كل جانب ، اذكروا ذلك واشكروا إنعام الله عليكم بالخلاص والنصر حيث أرسل على أعدائكم ريحا عاتية (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) قال المفسرون : انها الملائكة. ويجوز أن تكون كناية عما ألقاه سبحانه في قلوب الأحزاب من الخوف والهلع.
وفي البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي : كان جيش الأحزاب يتألف من خمسة عشر ألفا ، والمسلمون ثلاثة آلاف ، واتفق أهل التفاسير والسير ان صخرة ظهرت في بطن الخندق ، فكسرت حديدهم وشقّت عليهم ، فأخذ رسول الله (ص) المعول من سلمان ، وضرب به الصخرة ضربة صدعها ، ولمعت من تحت المعول برقة ، ثم ضربها ثانية ، فلمعت برقة أخرى ، وثالثة فلمعت ثالثة. فقال رسول الله (ص) : رأيت في البرقة الأولى مدائن كسرى ، وفي الثانية قصور قيصر ، وفي الثالثة قصور صنعاء ، وأخبرني جبريل ان أمتي ظاهرة عليها جميعا فأبشروا. وتحقق كل ما قاله سيد الكونين (ص).
(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ). المراد ان جيش الأحزاب حاصر عسكر المسلمين ولم يدع له منفذا ، وقال جماعة من أهل التفسير : جاءت غطفان