ويعبدون الله في ليلهم ونهارهم ثقة به وإخلاصا له وحده لا شريك له ، أما التسبيح والركوع والسجود بدافع الكسب والتجارة بالدين فهو نفاق لا عبادة ، وزندقة لا ايمان (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) أي ان المؤمنين يرحبون بالحق ، ويتخلون من أجله عن مصالحهم الشخصية لأنه هو دينهم ومصلحتهم. ويجب أن يسجد لله من قرأ هذه الآية أو استمع اليها ، وقيل : من سمعها أيضا من غير قصد.
(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً). المضاجع كناية عن النوم. وإذا عطفنا هذه الآية على قوله تعالى : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) ـ ٣٧ النور وجمعنا الآيتين في كلام واحد يكون المعنى ان المؤمنين لا تلهيهم تجارة ولا بيع ولا نوم عن عبادة الله التي تعكس خوفهم من عذابه ، وطمعهم بثوابه. وهذه العبادة هي التي عناها الله بقوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وفي الحديث : «ان قيام العبد قربة إلى الله ، ومنهاة عن الإثم ، وتكفير للسيئات ، ومطردة للداء عن الجسد». أما صلاة التجار المراءين ، فإنها تأمر بالفحشاء والمنكر لأن السيئة تقود إلى مثلها ، وكذلك الحسنة (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) عبدوا الله بالقلوب والأجسام والأموال.
(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). المراد بالنفس أية نفس كانت وتكون في الأرض أو في السماء ، والمعنى لا أحد يعلم حقيقة ما أعد الله للمؤمنين العاملين من الأجر والثواب الذي يغتبطون به ويفرحون. وفي الحديث الصحيح : «يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بله ما اطلعتكم عليه ، اقرأوا ان شئتم : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين».
(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ). جاء في كثير من التفاسير ، منها جامع البيان للطبري ، والبحر المحيط للأندلسي ، وروح البيان لحقي : ان هذه الآية نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، ونختار النص الذي جاء في تفسير الطبري : «كان بين الوليد وبين علي كلام ، فقال الوليد : أنا أبسط منك لسانا ، وأحدّ منك سنانا ، وأرد منك لكتيبة. فقال علي : اسكت فإنك فاسق. فأنزل الله فيهما (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً