(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ). ستة أيام كناية عن الدفعات أو الأطوار ، والمراد بالعرش الاستيلاء. وتقدم مثله في الآية ٥٤ من سورة الأعراف و ٣ من سورة يونس و ٥٩ من سورة الفرقان. وفي ج ٣ ص ٣٣٨ ذكرنا الأقوال حول الأيام الستة ورأينا فيها.
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ). المراد ب «يدبر الأمر» ان الله سبحانه خلق الكون ، ومنح كل مخلوق من الصفات ما تستدعيه الحكمة والعناية الإلهية ، وأوجب على من منحه القدرة والإدراك ان يلتزم الطريق الذي أرشده اليه. والمراد ب (يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ) ان أعمال الخلائق ترفع اليه يوم القيامة. وألف سنة كناية عن تطاول الزمن ، والمعنى ان الخلائق مشمولة بتدبير الله وعنايته ، فهو سبحانه أوجدها وأتقنها (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ـ ٥٠ طه وهو يفنيها ويعيدها ، واليه ترفع الأعمال في يوم هو أطول وأثقل يوم على العصاة والمجرمين.
(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). ان خالق كل شيء ، والقائم على كل شيء هو العالم بما كان ويكون كبيرا أو صغيرا ، ظاهرا للعيان أو خفيا عنها ، والعزيز بقدرته وسلطانه ، والرحيم بخلقه وعباده (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ). كل مخلوق وجد على النظام الأتم فهو حسن ومتقن يدل على قدرة الصانع وعظمته ، وما من شيء في الوجود إلا وترى فيه النظام والتناسق الذي يدل على العليم الحكيم : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) ـ ٤ الملك.
(وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ). المراد بالإنسان هنا أبو البشر آدم (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ). نسله ذريته ، وسلالة لانسلاله من صلبه ، والماء المهين المنيّ (ثم سواه) في أحسن تقويم (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) هذا كناية عن الحياة. وتقدم مثله في الآية ٢ من سورة الأنعام ج ٣ ص ١٥٨ والآية ١٢ من سورة «المؤمنون». (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ). تقدم في الآية ٧٨ من سورة «المؤمنون». ولا تقلّ نعمة البيان عن نعمة السمع