المعنى :
(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ). قال جماعة من المفسرين : المراد بالبحر هنا البلاد القريبة من البحر ، وبالبر البلاد البعيدة عنه ، وقال آخرون : المراد بالبحر المدينة لكثرة سكانها ، وبالبر القرية لقلتهم .. والذي نفهمه نحن ان البر والبحر كناية عن كثرة الفساد وانتشاره .. وكل ما حرمه الله ونهى عنه فارتكابه جريمة وفساد في الأرض ، كالحرب والبغي والإسراف والخلاعة والفجور والخمر والميسر والاستخفاف بفرائض الله وعبادته ، وما إلى ذلك.
وإذا وصف سبحانه عصر الجاهلية بظهور الفساد برا وبحرا حيث لا أسلحة كيماوية ولا قنابل نووية ، ولا شركات للاستغلال والاحتكار ، ولا كازينوهات وخلاعات فبأي شيء نصف عالم اليوم الذي يهدده الفناء والدمار الشامل في كل لحظة ، يهدده الفناء والهلاك لا بفعل الله ، ولا بكوارث الطبيعة ، بل بفعل الناس الذين يملكون أبشع أسلحة الافناء والإهلاك .. ولا سبيل لأمن البشرية وصيانتها من هذا الخطر إلا أن تدمر هذه الأسلحة تدميرا كاملا ، أما هيئة الأمم ومعاهدة التجارب الذرية الجزئية فإنها لم تحقّق للبشرية ما تثق به وتطمئن اليه.
(لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). الفساد في الأرض نتيجة طبيعية للإعراض عن الله ، وعدم الالتزام بأمره ونهيه ، وكلمة «بعض» في الآية تشير إلى عذاب الدنيا ، ولعذاب الآخرة أشق وأخزى. وفي الدعاء المأثور : اللهم اني أعوذ بك من الذنوب التي تغير النعم وتنزل النقم ، وقال سيد المرسلين (ص) : «اتقوا الذنوب فإنها ممحقة للخيرات» ، وكفى شاهدا على ذلك قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) ـ ٦٠ الكهف ، وقوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ). تقدم مثله في الآية ١٣٧ من سورة آل عمران ج ٢ ص ١٥٩ والآية ١١ من سورة الأنعام و ٦٩ من سورة النمل.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) وهو يوم الحساب والجزاء الذي لا مفر منه ، والسعيد من أخلص لله في أعماله