يتطاولا به على عباد الله وعياله ، أو يخترعا به أسلحة الفناء والدمار ليستعبدا الضعفاء ، ويسيطرا على أقواتهم ومقدّراتهم ، بل أطاعا الله في أمره ونهيه ، وشكراه على نعمة العلم التي لا يعادلها شيء (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ). المراد بالفضيلة هنا فضيلة العلم النافع ، وبالكثير من المؤمنين من لم يكن في مكانتهما من العلم .. وفيه إيماء إلى أن في المؤمنين من هو أفضل من داود وسليمان .. وهذا هو الواقع ، بل ان الأفضل أكثر بكثير من المفضول بالنسبة اليهما .. ومهما يكن فإن الفضل عند الله لا يقاس بالعلم ، ولا بتسخير الرياح ، ولا بإلانة الحديد ، ولا بشيء إلا بمنفعة الناس وصلاحهم بجهة من الجهات.
(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ). داود من نسل يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم ، وقد كرمه الله بالنبوة ، وأنزل عليه الزبور ، وجعله خليفة في الأرض ، وخصه بأجمل الأصوات ، وألان له الحديد ، وهو ثاني ملك لدولة اليهود ، ويطلق عليه لقب الملك داود ، أما الملك الأول فهو طالوت كما في الآية ٢٤٧ من سورة البقرة : (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً). وكان ابنه سليمان نبيا أيضا ، وخصه الله بكثير من النعم ، منها وراثة الملك عن أبيه ، ويقول التاريخ : ان ملكهما امتد سبعين سنة. وكان ذلك من حوالى ثلاثة آلاف سنة ، وبعد موت سليمان انقسم اليهود الى دولتين متحاربتين : دولة إسرائيل ، ودولة يهوذا ، ولما جاء بخت نصر قضى عليهما ، ولم تقم لليهود بعدئذ قائمة حتى تعاون الاستعمار الانكلوا أمريكي على إنشاء قاعدة عسكرية تحفظ مصالحه في الشرق الأوسط ، فأنشأوها باسم دولة إسرائيل على أرض فلسطين سنة ١٩٤٨.
ويقول اليهود عن ملكهم داود : انه كان يخطف النساء ، ويقتل أزواجهن ، وان ابنه سليمان كان من الجبابرة الطغاة ، والمسرفين المبذرين.
وقال بعض المفسرين : المراد بقوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ان سليمان ورث العلم فقط عن أبيه .. والصحيح ان الآية تعني وراثة الملك ، كما حدث ذلك بالفعل ، أما العلم فلا يكون بالوراثة بل بالجد والاجتهاد ، أو بالوحي من الله .. وحديث : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، محل خلاف بين المسلمين ، فأثبتته طائفة ، ونفته أخرى.