العقل أو في نظر العرف وصف يتعدّد ويتكرّر على حسب تكرّر الوجوب بالمعنى الأوّل على معنى لحوقه الفعل مرّتين باعتبار الجهتين ، فالوجوب بجميع معانيه متكرّر ، غير أنّ تكرّره بالمعنى الأوّل تكرّر خارجي وبأحد المعنيين الأخيرين تكرّر ذهني لأنّه حاصل عند العقل وفي نظره لا في الخارج هذا.
ولكنّ الإنصاف ومجانبة الاعتساف يقتضي خلاف ذلك ، فإنّ تعدّد الإنشاء في المعنى الأوّل لا يوجب تعدّد المنشأ ، والمعيار هو ما في النفس من الطلب الحتمي المنقدح في ضمير الآمر أعني الطلب المقرون بعدم الرضا بالترك ، وهو مع اتّحاد المحلّ واحد لا يتعدّد بتعدّد الجهة لعدم قابليّة المحلّ ، ومنافاة الاجتماع للاثنينيّة ، واعتبار لحوق الوصف مرّتين غير اجتماع الوصفين ، والأوّل مجرّد اعتبار والثاني محال ، فليس في المقام إلاّ وجود الجهتين كما ذكره المجيب.
وكذا الكلام في اجتماع الندبين واجتماع الحرمتين واجتماع الكراهتين.
ومن أمثلة الأوّل : ما يتداخل فيه الأغسال المندوبة والوضوءات المستحبّة ، وإيقاع النافلة في المسجد ، وغسل الجمعة ترتيبا.
ومن أمثلة الثاني : الزنا مع الحائض الأجنبيّة ، والإفطار بالمحرّم كالزنا وشرب الخمر.
ومن أمثلة الثالث : البول في الجاري قائما ، وخضاب الحائض الجنب ، وقراءة ما زاد على سبع آيات لها.
وأمّا ما تقدّم في كلام المجيب من أنّ الجهتين عند اجتماعهما صارتا معا علّة تامّة على أن يكون كلّ منهما جزءا للعلّة ، تنظيرا لهما بالنار والشمس إذا اجتمعتا واشتركتا في تسخين الماء ، فيرد عليه :
أوّلا : على تقدير تسليمه أنّ إطلاقه غير سديد ، لأنّه إنّما يتمّ فيما لو اجتمعتا على سبيل الدفعة لا على وجه التعاقب فتكون الجهة اللاحقة بلا تأثير لمصادفتها محلاّ مشغولا بوجود المثل.
وثانيا : أنّه في أصله فاسد لابتنائه على الخلط بين العلل العقليّة والأسباب الشرعيّة ، والفارق : أنّ العلل العقليّة مؤثّرات حقيقيّة ويكون وجود المعلول أثرا من وجود العلّة وهي في عليّتها وتأثيرها من قبيل الفاعل الموجب لكون التأثير من ضروريّات ذاتها ولا اختيار لها في عدم التأثير ، فإذا اجتمعت مع مثلها لا يجوز استناد المعلول إلى كلّ منهما لاستحالة توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد ، ولا إلى إحداهما فقط لاستحالة الترجيح بلا مرجّح ،