فإن قلت : لو كان اجتماع الرجحان والمرجوحيّة بالإضافة في شيء واحد كافيا في انعقاد الكراهة مع الوجوب أو الندب كانت الصلاة في البيت أيضا مكروهة ، بل يلزم ذلك فيما عدا الصلاة في المسجد الحرام ، لكون كلّ راجحا بالقياس إلى تركه المطلق ومرجوحا بالاضافة إلى فعل غيره ، وهذا مع بطلانه في نفسه وعدم قائل به لا يلائمه اختصاص النهي التنزيهي بما عدا هذه الأفراد وعدم وروده فيها.
قلت : العبادة إنّما يحكم عليها بالكراهة إذا استند مرجوحيّتها من جهة الخصوصيّة إلى منقصة ناشئة عن تلك الخصوصيّة بالقياس إلى أصل الماهيّة لا إلى عدم مزيّة في رجحانها من جهة فقد ما يوجب فيها تلك المزيّة ، فمكروه العبادة ما نقص رجحانه عن رجحان أصل الماهيّة لعروض مانع عن الكمال لا مطلقا.
وتوضيحه : أنّ نقصان الرجحان في الفرد قد يستند إلى فقد المقتضي للزيادة وقد يستند إلى وجود المانع عن اقتضاء المقتضي لكمال الرجحان ، كما أنّ زيادة الرجحان في الفرد قد يستند إلى وجود المقتضي للزيادة وقد يستند إلى فقد المانع عنها ، والباعث على الكراهة ليس مجرّد النقص ولو من جهة فقد ما يقتضي الزيادة ، بل النقص الحاصل بالعرض لأجل وجود مانع عن اقتضاء المقتضي وهو الطبيعة كمال مقتضاه ، فالكون في الحمّام نحو خصوصيّة إذا طرأت الماهيّة توجب نقصا في رجحانها فتكون مانعة عن اقتضائها ، كما أنّ الكون في المسجد نحو خصوصيّة إذا عرضت الماهيّة توجب زيادة في رجحانها فتكون مقتضية للزيادة بخلاف الكون في البيت فإنّه نحو خصوصيّة إذا لحقت الماهيّة لا توجب نقصا في رجحانها ولا زيادة فيه ، فلا تكون من قبيل المانع ولا المقتضي ، فنقص الصلاة في البيت بالإضافة إلى الصلاة في المسجد لم يحصل بواسطة وجود المانع الموجب للمنقصة لتكون مكروهة بل بواسطة فقد ما يوجب الزيادة ، فالصلاة في الحمّام على هذه القاعدة مكروهة وفي البيت مباحة وفي المسجد مندوبة ، وسبب النقص في الحمّام وجود المانع عن اقتضاء المقتضي ، وسبب النقص بالنسبة والزيادة بنسبة اخرى في البيت فقد المقتضي للزيادة وفقد المانع عن اقتضاء الماهيّة ، وسبب الزيادة في المسجد وجود المقتضي للزيادة ، والداعي إلى هذا الاختلاف بين هذه الأفراد ظواهر الأدلّة الحاكمة في بعضها بالاستحباب وفي البعض الآخر بالكراهة ، فيبقى ما لا دليل منها على استحبابه ولا على كراهته على رجحان أصل الماهيّة ، من غير زيادة ونقيصة هذا.