فان قيل : لا بدّ للقدرة من أثر عقلا ، والعدم لا يصلح أثرا ، لأنّه نفي محض. وأيضا فالأثر لا بدّ أن يستند إلى المؤثّر ويتجدّد ، والعدم سابق مستمرّ ، فلا يصلح أثرا للقدرة المتأخرة.
قلنا : العدم إنّما يجعل أثرا للقدرة باعتبار استمراره. وعدم الصلاحية بهذا الاعتبار في حيّز المنع ؛ وذلك لأنّ القادر يمكنه أن لا يفعل فيستمرّ ، وأن يفعل فلا يستمرّ. فأثر القدرة إنّما هو الاستمرار المقارن لها ، وهو مستند إليها ، ومتجدّد بها.
___________________________________
هو هو ممّا لا يمكن الاسترابة فيه كما أنّ عدم مقدوريّة الوجود بما هو هو أيضا كذلك ، فإنّ المقدور في الثاني إنّما هو الإيجاد بحمل الجوارح على الفعل ، فيكون المقدور في الأوّل هو الامتناع عن الإيجاد بإمساك الجوارح عن الفعل.
فالأولى في الجواب ما أشرنا إليه من منع اقتضاء مثل هذا النوع من عدم المقدوريّة امتناع تعلّق التكليف به بعد ما كان منشؤه وهو الكفّ بمعنى الإمساك مقدورا ، فإنّ الحاكم باشتراط التكليف بالقدرة هو العقل ، وهو كما يحكم بأصل الاشتراط فكذا يحكم بكفاية المقدوريّة بالواسطة في تحقّق ذلك الشرط ، ومعه لا داعي إلى اعتبار أمر زائد.
ثمّ لا يخفى أنّ في التقرير المتقدّم للاحتجاج الأوّل نوع تشويش ، من جهة أنّ سوق الاحتجاج يقتضي كون انتفاء التكليف عن نفي الفعل من جهة انتفاء القدرة بضابطة استلزام انتفاء الشرط انتفاء المشروط كما هو المصرّح به في كلام جماعة منهم الحاجبي.
والجواب الّذي ذكره المصنّف مع ما أشرنا إليه مبنيّ على هذا المعنى ، ولكن ذيل الحجّة يقتضي كون الموجب لانتفاء التكليف عن نفي الفعل لزوم تحصيل الحاصل من جهة سبق العدم الأصلي على القدرة ، وظاهر أنّ اللاحق لا يصلح مؤثّرا في السابق إلاّ على تقدير إعادته وهو محال ، فجوابه على هذا التقدير منع كون المطلوب عندنا العدم السابق على القدرة المعتبرة حال التكليف ليكون طلبا للحاصل ويفضي إلى تحصيل الحاصل ، بل المطلوب حينئذ هو العدم المقارن لحال التكليف وهو مقارن للقدرة ولو بالقياس إلى ما يستند ذلك العدم إليه من الكفّ بمعنى الإمساك ، فلا يلزم من إلزام تحصيل العدم المقارن