المعنى :
ذكر سبحانه هنا آيات كونية تدل على قدرته وعظمته ، وهي :
١ ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ). يتعاقب الليل والنهار نتيجة لكروية الأرض ودورانها حول نفسها تماما كدوران الرحى ، وجانب الأرض الذي يحاذي الشمس حين الدوران يصير نهارا ، وغير المحاذي يصير ليلا ، فإذا تجاوز عن الشمس ما كان محاذيا لها بسبب الدوران وحلّ محله الجانب الآخر الذي كان ليلا ، إذا كان كذلك ينعكس الأمر ، فيصير ما كان ليلا نهارا ، وما كان نهارا يصير ليلا ، وهكذا دواليك ، وقد عبّر سبحانه عن هذا بالانسلاخ ، وأسنده اليه لأنه خالق الكون وسبب الأسباب ، وتقدم مثله في الآية ٢٧ من سورة آل عمران ج ٢ ص ٣٧ والآية ١٢ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٢٦.
٢ ـ (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ). اختلف المفسرون في المراد من مستقرها على أقوال أنهاها الرازي الى أربعة ، وكلها بعيدة عن الافهام ، والصواب ان مستقرها كناية عن سيرها بنظام محكم ودقيق ، ويومئ الى هذا قوله تعالى : ذلك تقدير العزيز العليم. ونقل مؤلف كتاب القرآن والعلم الحديث عن كبار علماء الفلك المعاصرين : «ان الشمس تجري بسرعة ١٢ ميلا في الثانية غير دورانها حول نفسها ، وانها تختلف عن حال دوران الأرض». وتقدم ما يتصل بذلك في الآية ٢ من سورة الرعد ج ٤ ص ٣٧٣.
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ). وهذه المنازل لا تبدل بغيرها ، ولا تتحول من مكانها ، ولا القمر يضل عنها. وقال الفلكيون : انها ٢٨ ينزل كل ليلة في واحد منها ، ويستتر في ليلتين إذا كان الشهر ٣٠ يوما ، وفي ليلة واحدة إذا كان ٢٩ ، وعندئذ يصير كغصن النخلة في الدقة والانحناء ، وهذا هو المراد بالعرجون. وتقدم ما يتعلق بذلك في الآية ٣٦ من سورة التوبة ج ٤ ص ٢٩ فقرة الأشهر القمرية هي الأشهر الطبيعية.
(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ). لكل كوكب فلكه الخاص يدور فيه بنظام ، ويجري في منازل مقدرة إلى أن يطويها الله طي السجل للكتاب. وفي نهج البلاغة : «وجعل شمسها ـ أي