أما الدليل القاطع على ان هذا هو هدف المحاضرين المتعاهدين في الندوة اللبنانية سنة ١٩٦٥ فيقدمه المؤلف في صفحة ٦٠ بقوله : ان الإسلام لا يعترف بالإنجيل ولا بالتثليث ، ولا بالخطيئة والفداء ، ولا بصلب السيد المسيح ودفنه وخروجه من القبر ، وما إلى ذلك مما يؤمن به المسيحيون ، كما انهم ينكرون القرآن ونبوة محمد (ص) .. فبأي شيء يزيل المحاضرون المتعاهدون هذه الحواجز؟. فالأصلح والأنسب ـ ما زال الكلام للمؤلف ـ ان يتم التفاهم والحوار بين اللبنانيين على صعيد وطني ، وأساس المصلحة المشتركة ، أما الدين فليترك لاختيار الفرد وفقا لمزاجه وقناعته.
ومن أقوال المؤلف هذه وغيرها كثير في كتاب «نقد الفكر الديني» يتبين معنا ان السر لنقده فيما يظهر يكمن ـ كما أشرنا ـ في تعسف الذين حاولوا التوفيق بين النصوص الدينية والعلم الحديث ، وفي الطقوس الجامدة ، وانحراف الذين وهبوا أنفسهم للاقطاع والاستعمار ، وبرروا الظلم والاستغلال باسم الدين .. ولو ان جميع رجال الدين أخلصوا له ، وفهموه فهما صحيحا ، وبينوه للناس كما نزل على عيسى ومحمد ، ولم يشتروا به ثمنا قليلا ـ لما وجد ناقد أو مأجور منفذا للطعن والريب بالإسلام ولا بالمسيحية .. ولكن مما يدمي القلب أسفا ان قوما انتحلوا اسم الدين زورا وتطفلا ، وآخرين وقفوا أنفسهم لتخريبه وتشويه حقائقه بعد ان قبضوا الثمن من أعداء الله والانسانية .. فكانت ردة الفعل من مؤلف «نقد الفكر الديني» وغيره وقيل : ان هذا المؤلف أيضا مأجور.
ولكن أي ذنب للدين إذا استغله الانتهازيون ، واتسم به المتطفلون؟. وكان الأولى بالمؤلف أن ينظر الى الدين كقوة تتجه بالإنسان الى حياة أفضل ، وانه منزه عن كل ما يأباه العقل ، ويتصادم مع حقيقة من حقائق الحياة ، ولو شاء هذا لوجد الكثير من الشواهد في كتاب الله وسنة نبيه ، وتاريخ الإسلام والمسلمين ، وقد اعترف بهذه الحقيقة العشرات من علماء الشرق والغرب غير المسلمين.
أنظر ج ١ ص ٣٨ فقرة «القرآن والعلم الحديث» وج ٣ ص ٤٦٥ فقرة «الدين والدعوة إلى الحياة» وج ٥ ص ٢٣ فقرة «الإسلام دين الفطرة».