المعنى :
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ). فروا من الجهاد خوفا من الموت ، وما ينجو من الموت من خافه ، ولا يعطى البقاء من أحبه (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً). وان سلمتم من القتل في ساحة الوغى فستلاقون حتفكم بعد قليل ، ثم الى عذاب السعير ، أما الشهداء فإلى جنات النعيم. قال الإمام علي (ع) : «والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش».
(قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً). ونفسره بقوله تعالى : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) ـ ١١ الفتح. وتقدم مثله في الآية ١١ من سورة الرعد ج ٤ ص ٣٨٦ (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً). الله سبحانه يعلم المنافقين ، وانهم يثبطون الناس ، ويقول بعضهم لبعض : تعالوا إلى الراحة والدعة ، مالنا وللقتال؟ وان ينكشف أمرهم وتظهر دخيلتهم يمشوا الى القتال كالذي يساق الى الموت ، ويقاتلوا لماما ، وهم مضطربون متثاقلون .. ولهؤلاء أشباه ونظائر في كل عصر.
(أشحة عليكم) بالمال ونصرة الحق .. وكل بخل يعفو الله عنه إلا البخل بحق الجهاد والمال (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ). تعكس هذه الآية جبن المنافقين وخورهم عند القتال ، وجرأتهم على الذنوب والآثام وهم آمنون مطمئنون ترتعش منهم القلوب ، وتدور العيون في رؤوسهم فزعا وهلعا في ساحة الوغى وعند السلم والأمن يطلقون ألسنتهم السلاط تنهش المؤمنين والمجاهدين. وفي نهج البلاغة : «ان المنافق يتكلم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له وما ذا عليه». وقد قال رسول الله (ص) : «لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه».