الله الدالة على وجوده. وللرياح فوائد كثيرة ، فهي ـ اذن ـ آية دالة على وحدانية الله وقدرته ، ومن فوائدها اثارة السحاب الذي يبشر الناس بالخير ، وجريان السفن على متن الماء تحمل الأقوات من بلد إلى بلد ، وغير ذلك مما أشار اليه الامام جعفر الصادق بقوله : «لو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شيء على وجه الأرض ونتن ، لأن الريح بمنزلة المروحة تذب وتدفع الفساد عن كل شيء وتطيبه فهي بمنزلة الروح إذا خرجت من البدن نتن وتغير .. فتبارك الله أحسن الخالقين». (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي تتقون معاصي الله في السر والعلانية. وأشرنا فيما تقدم أكثر من مرة ان الله يجري الأشياء على أسبابها ، ويسندها اليه لأنه السبب الأول الذي تنتهي اليه جميع الأسباب.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ). أرسل الله محمدا (ص) بالحجة الوافية ، كما أرسل من قبله بالحجج الواضحة ابراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، فكذّب بهم كثير ، وآمن بهم قليل ، فأخذ الله المكذبين بعذاب يوم عظيم ، ونصر الله الأنبياء ومن معهم ، وهذا النصر واجب على الله ، وهو الذي أوجبه وكتبه على نفسه تماما كما كتب عليها الرحمة .. ومحال ان تضيع عند الله ظلامة مظلوم وإلا كان الظالم أحسن حالا من المظلوم عند الله. انظر ج ٤ ص ١٣٢ فقرة : «الحساب والجزاء حتم». والغرض من هذه الآية تهديد الذين كذبوا محمدا (ص) ان يصيبهم مثل ما أصاب الذين كذبوا أنبياءهم من قبل.
(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ). هذا توضيح للآية السابقة ، وهي : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) ويتلخص المعنى بأن الله سبحانه يرسل الرياح ، فتحرك السحاب ، وتنشره في السماء ، ثم تقسمه بأمره إلى قطع ، وتدفع بكل قطعة إلى البلد الذي أراده الله ، فإذا وصلت اليه خرج الماء من السحابة وتساقط على البلد المقصود ، فيفرح أهله ، ويبشر بعضهم بعضا بالخير ، ومن قبل كانوا قانطين يائسين. وتقدم مثله في الآية ٥٧ من سورة الأعراف ج ٣ ص ٣٤٢.