بالإيمان وأظهر منه ما كان يمكنه إظهاره على وجه الاستصلاح ؛ ليصل بذلك إلى بقاء الإسلام ، وقوام الدعوة ، واستقامة أمر رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، كمؤمني أهل الكهف الذين أبطنوا الإيمان وأظهروا ضدّه ؛ للتقيّة والاستصلاح ، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين .
وهكذا كان من هذا القبيل حكاية سلوك شمعون الصفا لمّا أرسله عيسى عليهالسلام إلى انطاكيّة ، كما حكى اللّه تعالى(١) ذلك في سورة يس بقوله : (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ)(٢) الآية ، ألا ترى إلى صريح قوله :
ودعوتني وزعمتَ أنّك ناصح |
|
فلقد صدقتَ وكنتَ قبل أمينا(٣) |
أليس هذا شهادة منه بصدقه ، واعترافاً بنبوّته ، وإقراراً بنصحه ، وإنّ دينه خير الأديان ، فكيف لا يكون هذا من محض الإيمان ؟ ! .
وقـد ذكرنا في المقام الأوّل مـن كتاب ابـن عقـدة وغيـره ، عـن ابن عبّاس : أنّ أبا طالب تكلّم عند وفاته للنبيّ صلىاللهعليهوآله بما يدلّ على اعتذاره لعدم إظهاره الإسلام بمثل هذا الاعتذار ، حتّى إنّ العبّاس صرّح بأنّه ذكر كلمة الشهادة لمّا آيس من بقائه(٤) .
والشواهد لعذره كثيرة ، وصحّة عذره واضحة ، كما أشرنا غير مرّة ، لكنّ العدوّ لا يتشبّث إلاّ بالشبهات ولو في مقابل الواضحات ، كما قال عزّ وجلّ : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ)(٥) الآية ، بل
____________________
(١) في النسخ زيادة : «عن» .
(٢) سورة يس ٣٦ : ١٤ .
(٣) تقدّم تخريجه في ص ٤٩١ .
(٤) راجع ص ٤٥٢ .
(٥) سورة آل عمران ٣ : ٧ .