الرجل مع كمال نصبه وتعصّبه ، لعلمتَ أنّ هذا حجّة قاطعة وبرهان واضح ، بل معجزة ظاهرة على كونهم هم المراد بالاثني عشر إماماً الذين أخبر عنهم(١) النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ كما سيأتي ـ دون غيرهم ، وأنّ اللّه تعالى حيث قد أراد أن لا تخرج الإمامة عنهم جعلهم كلّهم بهذه المثابة خلفاً بعد سلف ، ونسلاً بعد نسل من غير انقطاع أبداً بهذا العدد الخاصّ الذي أخبر به النبيّ صلىاللهعليهوآله صريحاً ، بحيث لم يوجد ولم يتّفق مثل هذا في سلسلة أصلاً من بدو الخلقة إلى انقضاء العالم ، فافهم حتّى تعلم استلزام ذلك صدق كون ابن الحسن هو الثاني عشر أيضاً .
وروى جمع كثير من ثقات أصحابنا كالحسين بن محمّد الأشعريّ ، ومحمّد بن يحيى العطّار ، وغيرهما ، وبعض العامّة ، قالوا كلّهم : كان أحمد ابن عبيد اللّه بن خاقان على الضياع والخراج بقمّ ، فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلويّة ومذاهبهم ، وكان شديدَ النَّصْب والانحراف عن أهل البيت عليهمالسلام ، فقال : ما رأيتُ ولا عرفتُ بسُرّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا عليهمالسلام في هديه ، وسُكونه ، وعَفافه ، ونُبله ، وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم ، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنِّ منهم والخطر ، وكذلك القوّاد والوزراء وعامّة الناس ، فإنّي كنتُ يوماً قائماً على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس ، إذ دخل عليه حجّابه فقالوا : أبو محمّد بن الرضا عليهالسلام بالباب ، فقال بصوتٍ عال : إئذنوا له ، فتعجّبتُ ممّا سمعتُ منهم إنّهم جسروا يُكنّون رجلاً على أبي بحضرته ، ولم يكن عنده إلاّ خليفة أو وليّ عهدٍ أو مَنْ أمر السلطان أن يُكنّى ، فدخل رجل أسمر
____________________
(١) في النسخ : «به» بدل «عنهم» .