وعرضتَ ديناً لا محالة أنّه |
|
من خيرِ أديان البريّة دِينا |
لولا الملامة أو حذاري اُمّة |
|
لوجدتني سمعاً بذاك معينا(١) |
ولعلّ «مبيناً» أظهر وأنسب .
ولا يخفى دلالتها أيضاً على صريح كونه معذوراً في عدم التظاهر بالإسلام كما مرّ غير مرّة ، بل تبيّن عياناً .
وما قيل : من أنّ هذا الشعر يتضمّن أنّه لم يؤمن بالنبيّ صلىاللهعليهوآله ولم يسمح له في الإسلام والاتّباع خوف المعرّة والتسفيه ، فكيف يكون مؤمناً مع ذلك ؟ ليس بشيءٍ ؛ إذ يقال لهم : إنّ أبا طالب رضوان اللّه عليه لم يمتنع من الإيمان برسول اللّه صلىاللهعليهوآله في الباطن ، والإقرار بحقّه من طريق الديانة ، وإنّما امتنع من إظهار ذلك لئلاّ يسفهه قريش وتذهب رئاسته ، ويخرج من كان منها متّبعاً له عن طاعته ، وتنخرق هيبته عندهم ، فلا يسمع له قول ، ولا يمتثل له أمر ، فيحول ذلك بينه وبين مراده من نصرة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولا يتمكّن من غرضه في الذبّ عنه والقيام دونه ، وكان كأحدٍ من سائر المسلمين الذين أظهر متابعته ولم يقدروا على شيءٍ من الإعانة ، كأبي بكر وعبد الرحمان بن عوف وغيرهما ، حتّى أنّ حمزة بعد ظهور إسلامه لم يقدر على ما كان يفعل قبله ، وإنّما تمكّن أبو طالب رضىاللهعنه من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وإن أبطن الإسلام ، كما لو أنّ رجلاً شيعيّاً يكون في بلاد المخالف مظهراً لهم موافقتهم ، وكان عندهم وجيهاً معظماً مسموع الكلام ، فلا شكّ في أنّه يقدر حينئذٍ على كمال الدفع عن بقيّة أهل مذهبه ، بخلاف ما لو أظهر مذهبه ، فكذلك أبو طالب رضىاللهعنه استتر
____________________
(١) وجدناه في الكشاف ٢ : ٣٣٤ ، ونقله عنه ابن طاووس في الطرائف ١ : ٤٢١ / ٣٨٧ في كتابه الأكتاب ، وكذا المجلسي في بحار الأنوار ٣٥ : ١٤٨ .