قال : فلمّا سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولّت واحمرّ وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثمّ أطرق هنيئةً ، ثمّ رفع رأسه ، فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال أبي : نحن كذلك ، ولكنّ اللّه اختصّنا من مكنون سرّه وخالص علمه بما لم يخصّ به أحداً غيرنا .
فقال هِشام : أليس اللّه بعث محمّداً من شجرة عبد مناف إلى الناس كافّةً أبيضها وأسودها وأحمرها ، من أين ورثتم ما ليس لغيركم؟ ورسول اللّه مبعوث إلى الناس كافّةً ، وذلك قول اللّه تعالى : (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(١) الآية ، فمن أين وَرثتم هذا العلم وليس بعد محمّد نبيّ ، ولا أنتم أنبياء ؟
فقال له أبي : من قوله تعالى لنبيّه : (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)(٢) فالذي لم يحرّك به لسانه لغيرنا ، أمره اللّه تعالى أن يخصّنا به من دون غيرنا ؛ فلذلك كان يُناجي أخاه عليّاً من دون أصحابه ، وأنزل اللّه بذلك قرآناً في قوله : (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(٣) فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لأصحابه : سألتُ اللّهَ أن يجعلها اُذنك يا عليّ ؛ فلذلك قال عليّ عليهالسلام : علّمني رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ألفَ بابٍ من العلم يُفتح من كلّ باب ألف باب ، خصّه به النبيّ صلىاللهعليهوآله من مكنون سرّه كما خصّه اللّه نبيّه صلىاللهعليهوآله ، وعلّمه ما لم يخصّ به أحداً من قومه حتّى صار إلينا ، فتوارثناه من دون أهلنا .
فقال هشام : إنّ عليّاً كان يدري علم الغيب واللّه لم يُطْلِع على غيبه
____________________
(١) سورة آل عمران ٣ : ١٨٠ ، سورة الحديد ٥٧ : ١٠ .
(٢) سورة القيامة ٧٥ : ١٦ .
(٣) سورة الحاقّة ٦٩ : ١٢ .