ثلاثاً ، ثمّ أذن لنا في اليوم الرابع ، فدخلنا ، وقد نصب حذاءه برجاساً(١) ، وأشياخ قومه يرمون ، فلمّا دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه ، فلمّا حاذيناه نادى أبي : يا محمّد ، ارمِ مع أشياخ قومك [ الغرض ](٢) ، فقال له : إنّي قد كبرت عن الرمي ، فإن رأيت أن تعفيني .
فقال : وحقّ مَن أعزّنا بدينه ونبيّه محمّد صلىاللهعليهوآله لا أعفيك ، ثمّ أومأ إلى شيخ من بني اُميّة أن أعطه قوسك ، فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ، ثمّ تناول منه سهماً فوضعه في كبد القوس ثمّ رمى وسط الغرض ، ثمّ رمى فيه الثانية فشقّ فوق سهمه إلى نصله ، ثمّ تابع الرمي حتّى شقّ تسعة أسهم بعضها في جوف بعضٍ ، وهشام يضطرب في مجلسه ، فلم يتمالك أن قال : أجدتَ يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم ، وزعمت أنّك قد كبرتَ عن الرمي ، ثمّ أدركته ندامة على ما قال [...] فأطرق إطراقةً يتروّى فيه وإنّي وأبي واقف بحذائه مواجهاً له ، وأنا وراء أبي ، فلمّا طال وقوفنا بين يديه غضب أبي فهمّ به ، وكان أبي إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان ، فلمّا نظر هِشام إلى ذلك من أبي قال له : إلَيَّ يا محمّد ، فصعد أبي على السرير وأنا أتبعه ، فلمّا دنا من هِشام قام إليه فاعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثمّ اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ثمّ أقبل على أبي بوجهه ، فقال له : يا محمّد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ، للّه دَرّك ، مَنْ علّمك هذا الرمي؟ وفي كَمْ تعلّمته ؟ أيرمي جعفر مثل رميك ؟ قال : إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام .
____________________
(١) البرجاس : غَرَض في الهواء يُرمى فيه .
انظر : مختار الصحاح : ٤٦ ، لسان العرب ٦ : ٢٦ ، تاج العروس ٤ : ١٠٧ .
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر .