وغيرهما عن شقيق البلخي ، ثمّ نقل خلاصة القصّة ، وهي على ما رواه اليافعي الشافعي في كتابه روض الرياحين ، وكذا أبو الفضل الشيباني عن شقيق ، قال : خرجت حاجّاً سنة تسع وأربعين ومائة فنزلنا بالقادسيّة ، فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة يعلو فوق ثيابه ثوب من صوف مشتملاً بشملة ، وقد جلس منفرداً عن الناس ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كَلاًّ على الناس في طريقهم ، واللّه ، لأمضينّ إليه ولأوبخنّه ، فمضيت إليه ، فقال : «ياشقيق ، (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنّ ِ)(١)» الآية ، ثمّ تركني ومضى .
فقلت في نفسي : ما هذا إلاّ عبد صالح ، قد تكلّم على ما في نفسي ، ونطق باسمي فأردت أن يحلّلني فغاب عن عيني ، فما رأيته إلاّ بواقصة يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر ، فجئت إليه لأعتذر ، فخفّف في صلاته ، وقال لي : «يا شقيق ، اتل : (وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وءَامَنَ)»(٢) الآية . ثمّ تركني ومضى .
فقلت في نفسي : إنّ هذا لمن الأبدال ، فلمّا نزلنا زبالة إذا أنا بالفتى قائم على بئر وبيده ركوة يريد أن يستسقيَ ماءً ، فسقطت ركوته فيها فدعا ، وقال : «إلهي وسيّدي مالي سواها» فطغت له الماء حتّى أخذها فتوّضأ وصلّى أربع ركعات ، ثمّ مال إلى كثيب رملٍ فطرح منه فيها فشرب ، فأقبلتُ إليه وسلّمتُ عليه ، فردّ علَيَّ السلام ، فقلت : أطعمني من فضل ما رزقك اللّه تعالى ، فقال : «ياشقيق لم تزل نعم اللّه علينا ظاهرةً وباطنةً ، فأحسن ظنّك بربّك» وناولنيها ، فشربت منها فإذا سويق وسكّر ، ما شربت واللّه قطّ
____________________
(١) سورة الحجرات ٤٩ : ١٢ .
(٢) سورة طه ٢٠ : ٨٢ .