وجدّي مخافة القتل ، فكنتُ أُسرّها في نفسي ، فضرب صدري بمحبّة أبي محمّد عليهالسلام حتّى امتنعتُ من الطعام ، وضعفت نفسي ، ومرضت مرضاً شديداً ، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله دوائي ، فلمّا برح اليأس ، قال : يا قرّة عيني فهل يخطر ببالك شهوة شيء ؟
فقلت : يا جدّي لو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أُسارى المسلمين ، وتصدّقت عليهم بالخلاص ، رجوت أن يهب المسيح وأُمّه لي العافية ، فلمّا فَعَل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحّة [ في بدني ] (١) وتناولتُ شيئاً يسيراً من الطعام ، فرأيت أيضاً بعد أربع ليال(٢) كأنّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم أُمّ المسيح ، وألف وصيفة من وصائف الجنان ، فتقول لي مريم : «هذه سيّدة النساء أُمّ زوجك أبي محمّد عليهالسلام » ، فأتعلّق بها وأبكي ، وأشكو إليها امتناع أبي محمّد عليهالسلام من زيارتي .
فقالت لي سيّدة النساء عليهاالسلام : «إنّ ابني لا يزوركِ وأنتِ مشركة باللّه ، وعلى دين النصارى ، وهذه أُختي مريم تبرأ إلى اللّه من دينكِ [...] فقولي : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله » .
فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيّدة النساء إلى صدرها ، وقالت : «الآن توقّعي زيارة أبي محمّد إيّاك» .
فانتبهتُ وأنا أقول : واشوقاه إلى زيارة أبي محمّد عليهالسلام ولقائه ، فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد عليهالسلام في منامي ، فرأيته كأنّي أقول له : لِمَ جفوتني يا حبيبي ؟
قال : «ما كان تأخيري عنك إلاّ لشرككِ ، وإذ أسلمتِ فإنّي زائركِ في
____________________
(١) أضفناه من المصدر .
(٢) في دلائل الإمامة : «أربع عشرة ليلة» .