سكناه ، وانقطع عنهم الوصول إليه وخروج توقيعاته لكن من غير انقطاع نفعه رأساً ؛ لاتّفاقهم ـ كما يدلّ عليه أخبارُه وأخبارُ آبائِه ـ على حصول الانتفاع منه حينئذٍ أيضاً ولو في الجملة ، وأنّ مَثَله كالشمس تحت السحاب(١) ، بحيث يحضر المواسم والمشاهد والمجامع التي لا محيص عن حضوره فيها إعانةً ، أو دفاعاً ، أو دلالةً على الخير والحقّ ، أو بركةً في وجوده وإن لم يعرفوا شخصه ولا يفطنوا بمحضره ، حتّى أنّه من المجرّبات التي لا خلف فيها نسخة المكاتبة التي يكتب إليه في الشدائد ، والمطالب العظيمة استشفاعاً منه ، وتوسّلاً به ، وطلباً لتوجّهه إلى قضاء تلك الحاجة ، ثمّ توضع في بندقة طين ويرمى بها في بئر عميق ، أو نهرِ ماءٍ جارٍ ، أو أحدِ الضرائح المقدّسات بعد مناداة أحد من نوّابه ليوصلها إليه ، فينقضي ذلك الأمر (حينئذٍ سريعاً على أحسن وجه)(٢) من غير تخلّف أبداً ، بل قد ورد أنّ كثيراً من الناس يرونه مراراً ولا يدرون أنّه هو ؛ بحيث لمّا يرونه عند ظهوره يتبيّن عندهم أنّهم كانوا قد شاهدوه مراراً .
وقد ذكر جماعة من الصلحاء الثقات والعلماء التُقاة رؤيته ، والمكالمة معه في بعض الأسفار والمواضع ، لكن من غير التفطّن بأنّه هو إلاّ بعد غيبته أو مفارقته(٣) ، وإن أردنا ذكر تفصيل تلك القصص لطال الكلام ، بل يحتاج إلى تأليف كتاب على حدة في ذلك ، وهكذا حاله إلى أن يأمره اللّه تعالى بالظهور والقيام بأمر اللّه ، فيظهر حينئذٍ في بيت اللّه الحرام ويأتي إلى
____________________
(١) انظر : كمال الدين : ٤٨٣ / ٤ ضمن الحديث في ص ٤٨٥ ، الأمالي للصدوق : ٢٥٢ / ٢٧٧ ، والغيبة للطوسيّ : ٢٩٠ / ٢٤٧ ضمن الحديث ، روضة الواعظين : ١٩٩ .
(٢) بدل ما بين القوسين في «م» هكذا : «سريعاً على الوجه المطلوب سريعاً» .
(٣) انظر : الغيبة للطوسيّ : ٢٥٣ / ٢٢٣ ، و٢٧٦ / ٢٣٨ ، وكمال الدين : ٤٣٤ (باب ذكر من شاهد القائم عليهالسلام ورآه وكلّمه) .