أن مادته لا تنقطع بالمعارضة وأمره لا ينتهي بها ، وأن الخلاف يبقى ولا يزول ، والناس يكونون بعد المعارضة بين رجلين : رجل له ، ورجل عليه ، فهذا يقول : المعارضة أفصح ، وذا يقول : القرآن أفصح ، فتطول المنازعة ولا تنقطع ، فلهذا لم يشتغلوا بالمعارضة ، وعدلوا عنها إلى المحاربة.
قيل لهم : إن هذه الطريقة ، إن صرفت عن معارضة القرآن ، فلتصرفن عن سائر المعارضات لشمولها أجمع ، وذلك يوجب أن لا يوجد في كلامهم معارضة ، والمعلوم من عاداتهم خلافه ، فلم يقل علقمة : إذا اشتغلت بمعارضة امرئ القيس كان الناس بين متعصب لي ومتعصب عليّ ، فيكون حالي وقد عارضت كلامه كحالي ولم أعارض كلامه ، وهكذا الحال في غيرهما من الشعراء الذين قد اشتغلوا بهذه الطريقة.
فإن قيل : لا يخلو حال المعارضة ، إما أن تكون مثل القرآن ، أو فوقه ، أو دونه ، وإذا كانت مثله كان للخصم أن يقول : هذه حكاية القرآن وليس من المعارضة بسبيل ، وإن كانت فوقه أو دونه كان للخصم أن يشغب فيها ويقول : لا بل الفوقية ثابتة للقرآن لا لها ، فكيف تجعل ذلك معارضة ، فلا ينقطع التشاجر والمنازعة ، ولا بد في آخر الأمر من الرجوع إلى ما بدأ به من المحاربة والإضراب عن المعارضة.
قيل : ليس يجب في المعارضة أن تكون مثل ما تحصل المعارضة معارضة له ، ولا أن تكون فوقه ، بل إذا قاربه وداناه بحيث يلتبس الحال فيه كفى ، وبعد معارضته اعتبر ذلك بسائر المعارضات ، فكيف يصح ما ذكرتموه؟ وعلى أن هذه الطريقة تسد باب المعارضات أصلا ، وذلك كما لا وجه له.
فإن قيل : فإذا تركوا المعارضة مع إمكانها أو عدلوا إلى المحاربة ، فليس إلا أن يحكم بأنهم أخطوا في العدول عن عبادة الله تعالى إلى عبادة الأصنام ، فلا يكون فيما ذكرتموه دلالة على أنهم إنما تركوا معارضة القرآن للعجز لا غير.
قيل له : ليس هذا من الباب الذي قستم عليه بسبيل ، فإن ذلك أمر يستدرك بطريقة الاستدلال والاستنباط ، وليس كذلك حال المعارضة فإنه ضروري لا يتصور فيه الخطأ ، ففسد ما ظننتموه.
فإن قيل : إنما تركوا معارضة القرآن لأنه كان مشتملا على أقاصيص لم يعرفوها ولا عرفوا أمثالها حتى يجعلوها معارضة للقرآن على السبيل الذي ذكرتموه ، فلذلك امتنعوا عن المعارضة ، لا لأجل العجز.