بدخولها جحر الفأرة وإخراجها منه ، قالوا : أظلم من حية.
هذا هو حقيقة الظلم ، وإذا استعمل في غير ذلك فهو على سبيل المجاز ، وعلى هذا يقال للسحاب إذ مطرت في غير حينها أنها ظلمت ، تشبيها بالظلم على الحقيقة. إلا أنه ليس يجب إذا استعمل لفظ من الألفاظ في بعض المواضع مجازا أن يستعمل في سائر المواضع فيقال : ظلمت الريح أو النار ، كما قالوا ذلك في السحاب ، لأن من حق المجاز أن يقر حيث ورد.
حدود للظلم غير صحيحة :
وقد يذكر له حدود ولا يصح شيء منها.
الظلم ما ليس لفاعله أن يفعله :
ومن جملتها ، قولهم : إن الظلم هو ما ليس لفاعله أن يفعله ، وهذا لا يصح ، لأن العلم بالحد ينبغي أن يكون علما بالمحدود ، لا أن يكون تابعا له ، وفي هذا الموضع ما لم يعلم ظلما ، لا يعلم أنه ليس لفاعله فعله.
وبهذه الطريقة عبنا على أبي علي تحديده الواجب بما به ترك قبيح ، فقلنا : إنا ما لم نعلم وجوبه لا يمكننا أن نعلم قبح تركه ، فكيف حددت الواجب به ، وفيما ذكرت ترتب العلم بالحد على العلم بالحدود ، وذلك مما لا يصح.
وبعد ، فإن القبائح كلها اشتركت في أنه ليس لفاعلها فعلها ، ثم ليس يجب أن يكون الكل ظلما ، فإن الكذب والعبث وغيرهما مما لا يسمى بذلك.
الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه :
وقيل في حده : هو وضع الشيء في غير موضعه وهذا أبعد من الأول ، لأنه لو كان كذلك لوجب إذ وضع أحدنا منديله على ركبته أو عظم أجنبيا على الحد الذي يعظم والده أن يكون ظالما ، لأنه وضع الشيء في غير موضعه. إذا جعل البذرة في المحبرة أن يكون ظالما ، لأنه موضع الشيء في غير موضعه ، وقد عرف خلافه. فيجب أن تكون حقيقة الظلم ما ذكرناه ، إما لأنه موضوع له أصلا ، أو لأن بكثرة الاستعمال فيه صار حقيقة ، كالغائط في قضاء الحاجة.