هل يجوز أن لا يبين الله للمكلف صفة ما كلفه
وهو أن قال : أتجوزون على الله تعالى أن يكلف عبده ، ثم لا يبين له صفة ما كلفه؟
والأصل في ذلك ، أنا لا نجوز على الله تعالى أن يكلف عبده ثم لا يبين له صفة ما قد كلفه ، بل نقول : إنه تعالى إذا كلف عبده فلا بد من أن يبين له صفة ما قد كلفه وإلا لم يمكنه الإتيان بما كلفه على الحد الذي كلفه ، حتى لو لم يبين ذلك لكان تكليفه إياه عبثا لا فائدة فيه.
والذي يدل على صحة ما نقوله ، هو أن الله تعالى إذا كلفنا أمرا من الأمور ، فإن تكليفه إيانا بذلك الفعل لا يتعلق بعينه وذاته ، وإنما المبتغى إيقاعه على وجه دون وجه ، فمتى لم يبين له الوجه الذي يريد أن يوقعه عليه كان عابثا من حيث أمره بما لا يمكنه الانتفاع به والاهتداء إليه ، ويكون ظالما أيضا لأن تكليفه بالفعل والحال ما ذكرناه كتكليفه به وهو لا يطيقه.
يزيد ما ذكرناه وضوحا ، أنه لا يحسن من أحدنا أن يقول لعبده افعل شيئا ، ولا يبين له صفة ما يفعله ، حتى لو كلفه على هذا الوجه لسخر منه وهزئ ، وإذا ثبت هذا في الشاهد فكذلك في الغائب ، فمن العجب أن جل المجبرة مع تجويزهم سائر القبائح على الله تعالى لا يجوزون هذا لظهور الحال فيه ، إلا شرذمة قليلون فإنهم جرءوا على القياس ، وقالوا : إن هذا ليس بأقبح من تكليف ما لا يطاق ، ولقد أصابوا في خطئهم هذا ، فإن تكليف ما لا يطاق إن لم يزد في القبح على هذا لا ينقص عنه ، وقد جوزوا ذلك على الله تعالى.
والجواب عن ذلك ، ما تعنون بالجواز؟ فإن أردتم به الحسن ، فذلك غير مسلم ، وإن أردتم به الوقوع ، فلسنا نقول إن وقوعه مستحيل على الإطلاق. وإنما نقول إن وقوعه من الله تعالى يستحيل ، وإنما يستحيل منه ذلك لأنه عدل حكيم لا يختار القبح أصلا ، ولم يثبت كون الواحد منا عدلا حكيما حتى يقاس أحدهما على الآخر. وإنما يورد على كلامنا هذا ، أنه تعالى إذا جاز أن يكلف العاجز والمعدوم فهلا جاز أن يكلفه وإن لم يبين له صفة ما قد كلفه ، ولهذا أورد رحمهالله هذا الكلام عقب ما تقدم ، وهذا كما يمكن إيراده على هذا الوجه ، فقد يمكن أن يورده المجبرة ابتداء ، ويقولوا : إذا جاز أن يكلف الله تعالى العاجز والمعدوم وهو قبيح ، فهلا جاز أن يفعل