الذين جعلوا القديم مجبولا على فعل الخير بحيث لا يقدر على قبيح حتى أنه لا يصح أن ينفرد الله تعالى بالظلم ، والشيطان مجبول على الشر بحيث لا يمكنه مفارقته والانفكاك عنه.
ولجعفر بن حرب كلام في هؤلاء المجبرة هذا موضعه ، فقد ذكر أن حالهم أسوأ من حال سائر أرباب الملل ، وذلك ظاهر ، فإن كل فرقة من الفرق لا يضيفون إلى معبودهم إلا ما اعتقدوا فيه الحسن سواهم.
ألا ترى أن الملحدة لما اعتقدت قبح هذه الصور قالوا : لو كان هاهنا صانع حكيم لما جاز أن يخلق مثل هذه الصور القبيحة لأنه يقدح في حكمته ، فنفوا الصانع كيلا يلزمهم إضافة القبيح إليه.
وكذلك فإن اليهود لما اعتقدوا حسن القول بنبوة موسى عليهالسلام والعمل بما في التوراة ، وقبح الصيد في السبت ، وتحريم المكاسب فيه ، أضافوا إليه الأول ونفوا عنه الثاني.
وكذلك ، فإن النصارى لما اعتقدوا حسن القول بالتثليث وقبح ما عداه أضافوا الأول إليه ونزهوه عن الثاني.
وهؤلاء المجبرة مع علمهم بقبح هذه المقبحات أضافوها إلى الله تعالى من غير حشمة ولا مراقبة ، حتى أنك تراهم يفتخرون بذلك ، ولا يأنفون منه فقد صار حالهم أسوأ من حال سائر الكفرة.
ومما يوضح لك سوء حالهم في الإسلام ، أنهم بإضافتهم الأفعال كلها حسنها وقبيحها إلى الله تعالى ، سدوا على أنفسهم طريق معرفته أصلا ، فإن الطريق إلى إثبات المحدث في الغائب هو إثبات المحدث في الشاهد على ما مضى في غير موضع.
وكذلك ، فبنسبتهم القبائح إليه أخرجوا أنفسهم من صحة العلم بنبوة الأنبياء فإن صحة العلم بذلك يترتب على عدل الله وحكمته ، وأنه لا يختار القبح ولا يفعله ولا يصدق الكذابين ولا يظهر عليهم الأعلام المعجزة ، فصار حالهم لهذه الوجوه شرا من حال سائر المبطلين من الملحدة والمجسمة وغيرهم.
أفعال العباد لا توصف أنها من الله :
وقريب من هذه الجملة الكلام في أن أفعال العباد لا يجوز أن توصف بأنها من