وهذا يدل على أنه تعالى حصل عالما بعد إذ لم يكن عالما ، وفي ذلك ما نريده. وتعلقوا أيضا بقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) [الأنفال : ٦٦] قالوا فعلق التخفيف عنهم بهذا الوقت ثم عطف عليه العلم ، فيجب أن يكون عالما بعلم محدث. وتعلقوا أيضا بقوله تعالى : (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس : ١٤] قالوا : وهذا يدل على أنه تعالى سيحصل عالما بعد إذ لم يكن.
ولنا في الجواب عن هذا طريقان اثنان :
إحداهما ، أن نقول إن الاستدلال بالسمع على هذه المسألة مما لا يمكن ، لأن صحة السمع تنبني على هذه المسألة ، وكل مسألة تنبني صحة السمع عليها ، فالاستدلال عليها يجري مجرى الشيء على نفسه ، وذلك مما لا يجوز. وإنما قلنا : إن صحة السمع موقوفة على هذه المسألة ، لأننا ما لم نعلم القديم تعالى عدلا حكيما لا يمكننا معرفة السمع ، وما لم نعلم أنه تعالى عالم بقبح القبائح واستغنائه عنها لم نعلم عدله ، وما لم نعلم كونه عالما لذاته لم نعلم علمه بقبح القبائح أجمع ، فقد ترتب السمع على هذه المسألة فلا يصح الاستدلال بالسمع عليها.
والطريقة الثانية ، هي أن يقال : إن العلم قد ورد بمعنى العالم وبمعنى المعلوم ، يقال جرى هذا بعلمي أي وأنا عالم به ، وكذلك فإنه يقال هذا علم أبي حنيفة وعلم الشافعي ، أي معلومهما. وإذا ثبت هذا فقوله تعالى : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) المراد به حتى يقع الجهاد المعلوم من حالكم. وقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) أي وقع الضعف المعلوم من حالكم وقوعه. وقوله : (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أي يقع العمل المعلوم وقوعه من حالكم. فهذه جملة الكلام في أنه لا يجوز أن يستحق هذه الصفات لمعان محدثة.
الكلام في أن الله لا يستحق هذه الصفات لمعان قديمة
ثم إنه رحمهالله عاد إلى الكلام في أنه تعالى لا يجوز أن يستحق هذه الصفات لمعان قديمة.
والأصل في ذلك ، أنه تعالى لو كان يستحق هذه الصفات لمعان قديمة ، وقد ثبت أن القديم إنما يخالف مخالفه بكونه قديما ، وثبت أن الصفة التي تقع بها المخالفة عند الافتراق بها تقع المماثلة عند الاتفاق ، وذلك يوجب أن تكون هذه المعاني مثلا لله تعالى ، حتى إذا كان القديم تعالى عالما لذاته ، قادرا لذاته ، وجب في هذه المعاني