لهذا الحيوان المخصوص ، وشش ، لهذا العدد المخصوص ، وسس للرنة ، وكذلك للبعوض ، وأشباه ذلك أكثر من أن يأتي عليه العدد والحصر. فأما ما يقوله النحويون من أن الكلام هو ما يكون مفيدا ، والمفيد هو ما تركب من حرف واسم أو اسم واسم كقولك زيد قائم ، أو من فعل واسم كقولك قام زيد ، فإنما يعنون به الكلام الاصطلاحي دون اللغوي.
وإذ قد عرفت حقيقة الكلام ، فاعلم أنه من نعم الله تعالى العظام ، لأنه به يتصور الإفهام والاستفهام ، ولا يقوم غيره هذا المقام ، ولا شيء يتسع اتساع الكلام ، لأن الذي يشتبه الحال فيه ليس إلا عقد الأصابع والإشارة بالرأس ، ولا شك أنه لا يتسع اتساعه ، فمعلوم أن الأخرس لا يمكنه أن يدل على توحيد الله تعالى وعدله ، ولا يتأتى منه ذلك على الحد الذي يتأتى من المتكلم ، وأما الكتابة فإنه وإن عظم الانتفاع بها إلا أنها لا تبلغ درجة الكلام ، وأيضا فإن الفائدة به تترتب على الفائدة بالكلام ، فلو لا أنه تعالى بفضله وسعة جوده ألهمنا المواضعة على ذلك ، وإلا كنا لا نتمكن من شيء من هذه الأشياء التي ذكرناها.
وإذ قد تبين لك هذه الجملة في كلامنا ، فكلام الله تعالى المنزل على رسوله أدخل في باب النعمة ، لأن به يعرف الحلال والحرام ، وإليه يرجع في الشرائع والأحكام ، ولذلك قلنا : إن كلام الله تعالى لا يجوز أن يعرى عن الفائدة ، حتى لا يجوز أن يخاطبنا بخطاب ثم لا يريد به شيئا أو يريد به غير ظاهره ولا يبينه ، لأن ذلك يتنزل في القبح منزلة مخاطبة الزنجي بالعربية والعربي بالزنجية ، فكما أن ذلك لا يحسن بل يعد من باب العبث ، كذلك في مسألتنا.
فحصل من هذه الجملة ، أن كلام الله تعالى إنما يكون نعمة إذا كان على الحد الذي ذكرناه ، فأما إذا كان الأمر في ذلك على ما يقوله هؤلاء المجبرة ، فإنه مما لا يثبت فيه شيء من ذلك ، سيما إذا أثبتوه قديما ، فمعلوم أنه لا يصح الانتفاع بالقديم ، خاصة إذا جوزوا عليه الكذب ، وأن يأتي بخطاب لا يريد به شيئا أصلا ، وأن يؤخر بيان المجمل عن الحال الخطاب ، بل عن حال الحاجة.
ونعود بعد هذه الجملة إلى إبطال هذه المذاهب.
إبطال قول من يقول إن القرآن قديم
أما الكلام على الصنف الأول ، الذين قالوا : إن القرآن قديم مع الله تعالى ، فهو