الرد على من يقول : إن الله قد يعرف تقليدا
ثم إنه رحمهالله سأل نفسه فقال : كيف يصح قولكم : إنه تعالى إذا لم يعرف ضرورة ولا بالمشاهدة ، وجب أن نعرفه بالنظر والاستدلال ، وفي الناس من قال إنه يعرف تقليدا. وأجاب : بأن التقليد هو قبول قول الغير من غير أن يطالبه بحجة وبينة حتى يجعله كالقلادة في عنقه ، وما هذا حاله لا يجوز أن يكون طريقا للعلم ولهذا لم نذكره في الطرق المذكورة.
والذي يدل على ذلك هو أن المقلد لا يخلو إما أن يقلد أرباب المذاهب جملة ، أو لا يقلد واحدا منهم إذ لا معنى لتقليد بعضهم دون بعض لفقد المزية والاختصاص ، لا يجوز أن يقلد أرباب المذاهب جملة لأنه يؤدي إلى اجتماع الاعتقادات المتضادات ، فلم يبق إلا أن لا يقلد واحدا منهم ، ويعتمد على النظر والاستدلال.
الرد على القول بتقليد الأزهدين
فإن قالوا : نقلد الأزهدين فلتقليدهم مزية على تقليد غيرهم ، قلنا : ليس الزهد والتقشف من أمارات الحق ، ولهذا فإنك تجد كثيرا من رهبانية النصارى قد بلغوا في الزهد الغاية مع كونهم على الباطل ، هذا وجه. ومن وجه آخر ، وهو أن يقال : ما من طائفة إلا وفيها زهاد وعباد ، فلا يخلو ، إما أن يقلد زهاد الطوائف أجمع أو لا يقلد واحدا منهم إذ لا معنى لتقليد بعضهم دون بعض ، لفقد المزية والاختصاص ؛ لا يجوز أن يقلد زهاد الطوائف أجمع لأن في هذا اجتماع الاعتقادات المتضادات ، فلم يبق إلا أن لا يقلد واحدا منهم ويعتمد على النظر والاستدلال.
الرد على القول بتقليد الأكثرين
فإن قالوا نقلد الأكثرين فللكثرة مزية ، قلنا : ليست الكثرة من أمارات الحق ، ولا القلة من علامات الباطل. ولهذا ذم الله الأكثرين بقوله : (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) [المائدة : ١٠٣](أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) [الزخرف : ٧٨] ومدح الأقلين بقوله جل وعز : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) [ص : ٢٤](وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود : ٤٠](وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣]. وقال الشاعر في القليل :
تعيرنا أنا قليل عديدنا |
|
فقلت لها إن الكرام قليل |
ولهذا فإن الحارث بن حوط لما قال لأمير المؤمنين علي عليهالسلام : أترى يا