الجهل والحاجة ، وخطأ قول من يقول إنه لا يدل عليه ، فهذه هي الدلالة العقلية.
الدلالة السمعية
فأما دلالة السمع فأكثر من أن تذكر ، نحو قوله جل وعز (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [البقرة : ٢٥٥] وأشباهه ، وكذلك فمعلوم ضرورة من دين النبي عليهالسلام ، فعلى هذا يجري الكلام في هذا الفصل.
هل يكون مع الله ثان يشاركه في بعض صفاته لا كلها
اعلم أنا قد ذكرنا أنه لا خلاف في أنه ليس مع الله تعالى ثان يشاركه في جميع صفاته ، وإنما الخلاف في أنه هل يجوز أن يكون مع الله ثان يشاركه في بعض صفاته دون البعض.
والمخالف في ذلك هم الثنوية. ثم اختلفوا ، فمنهم من أثبت إلهين : النور والظلمة وقال بكونهما حيين وهم المانوية ، ومنهم من أثبت إلهين النور والظلمة ، وقال : النور حي والظلمة موات وهم الديصانية ولا خلاف بين هؤلاء وبين المانوية في قدمهما وأن العالم ممتزج منهما ، وأن جهة النور العلو وجهة الظلمة السفل ، ومنهم من قال بإثبات ثالث مع النور والظلمة لأنهم لما رأوا أن العالم ممتزج منهما قالوا : لا بد من مازج يمزجه فأثبتوا الثالث وهم المرقيونية. وأما المجوس فهم طائفة من الثنوية أيضا ، إلا أنهم يغيرون العبارة ، فيسمون النور يزدان والظلمة أهرمن. ثم اختلفوا ، فمنهم من قال بقدمها ، ومنهم من قال بقدم يزدان وحدوث أهرمن. ثم اختلفوا في كيفية حدوثه ، فمنهم من قال إنه حدث من عفونات الأرض ، ومنهم من قال لا بل حدث من فكرته الردية ، فإن يزدان لما استوى له الأمر واستتب ، فكر في نفسه فقال : لو كان مضاد ينازعني كيف يكون حالي معه؟ فتولد من فكرته الردية هذه أهرمن ، فقال له : أنا منازعك ومخاصمك ، وكادا يقتتلان فسفر هناك ملك فاصطلحا إلى أجل معلوم. وعندهم ، أنه إذا جاء ذلك الوقت يغلب حينئذ يزدان أهرمن ويقتله ، ويصفو له العالم.
وعند هؤلاء الفرق الأربع ، أن النور مطبوع على الخير لا يقدر على خلافه ، وأن الظلمة مطبوعة على الشر لا يقدر إلا عليه. والذي أداهم إلى هذا المذهب ، أنهم اعتقدوا أن الآلام كلها قبيحة لكونها آلاما ، والملاذ كلها حسنة لكونها ملاذا ، وأن