لا يجوز أن يعرفنا الله بأعيان الصغائر :
ومما يدخل في هذه الجملة ، أن الله تعالى لا يجوز أن يعرفنا الصغائر بأعيانها ، والذي يدل على ذلك أن الصغائر إغراء بالقبيح ، والإغراء بالقبيح مما لا يجوز على الله تعالى.
فإن قيل : ولم قلتم أن تعريف الصغائر من الله تعالى إغراء بالقبيح؟ قلنا : إن المكلف إذ علمها صغيرة وأنهما مما لا يجوز أن يستحق بفعلها العقاب بل يكون عقابها مكفرا في جنب ما له من الثواب ، كان في الحكم كالمبعوث عليها ، ومغرى بها. يبين ذلك ، أنه إذا علم أن له فيه نفعا في الحال ، ولا مضرة لا في الحال ولا في المآل ، كان في الحكم كمن قيل له : لم لا تفعله ولا تبعه عليك فهذا إغراء على ما قلناه وليس لأحد أن يقول : إن مع العلم بقبحه لا يثبت الإغراء ، لأنه إذا انتفع به في الحال ولا مضرة له في الحال ولا في المستقبل كان مغرى بفعله.
فإن قيل : إنه إذا علم أنما يستحق على الصغيرة من العقاب يسقط جملة من ثوابه على قولكم بالموازنة ، لا يكون مغرى بفعله ولا مبعوثا عليه.
قيل له : أما على مذهب أبي علي فلا كلام فإنه لا يقول بالموازنة ، وأما على مذهب أبي هاشم ، فالجواب ، إن المكلف إذا علم انتفاعه بالصغيرة في الحال ، وعلم أنه لا يشتهي شيئا في الآخرة إلا وصل إليه ما يشتهيه ، فإنه لا يبالي بسقوط ما سقط من ثوابه.
فإن قيل : فيجب على هذا أن لا يحسن من الله تعالى التكليف بالنوافل والترغيب وفيما يستحق عليها من الثواب ، فإن المكلف إذا علم أنه يصل إلى ما يشتهيه في الآخرة متى فعل الواجبات واجتنب المقبحات لم يعتد بما يستحق على النوافل من الثواب. يزيد ذلك وضوحا ، أنه كما يمكن أن يقال : إنه لا يعتد بما يسقط من ثوابه بالصغيرة إذا علم أنه لا يشتهي شيئا إلا وصل إليه مع أنه كالحاصل له بالاستحقاق ، فبأن لا يعتد بما يستحقه على النوافل من الثواب أولى وأحق ، لأنه لم يحصل بعد.
قيل له : فرق بينهما ، فإن القديم إنما كلفنا النوافل وحسن منه ذلك لما كانت مسهلة للفرائض داعية إليها. لا لمجرد الثواب ، حتى إن لم يقع به اعتداد وجب أن لا يحسن ، وليس ذلك الحال في الصغيرة على ما ذكرنا.
فإن قيل : أليس أنه الله تعالى عرف الأنبياء الصغائر بأعيانها ، فكيف منعتم من