مدح يرجع إلى فعل من أفعاله ، وهما مختلفان في هذا الباب. ألا ترى أنه لا يحسن من الزين أن يتمدح بترك التسلق على ما ذكرناه لما لم يقدر عليه ويحسن منه أن يتمدح بنفي الخرس عن نفسه ، وإن لم يقدر على ذلك ، لما كان أحد المدحين راجعا إلى ذاته والآخر راجعا إلى الفعل ، كذلك في مسألتنا.
فصل
وقد أورد مشايخنا وجوها من الإلزام على القول بأنه تعالى يفعل القبيح ، ويمكن أن يستدل ببعضها على أنه لا يفعل القبيح.
فمن ذلك ما قد ثبت في مقدور القديم تعالى من الحسن ما يستغنى به عن القبيح ، فيجب أن لا يختار القبيح ، لأن من استغنى بالحسن عن القبيح ، لا يختار القبيح بحال.
وهذه الدلالة مبنية على أنه تعالى مستغن بالحسن عن القبيح ، وأن من كان هذا حاله فإنه لا يختار القبيح.
في مقدور القديم أن يستغني عن القبيح :
أما الذي يدل على الأصل الأول ، فهو ما قد ثبت أن الله تعالى قادر لذاته ، ومن حق القادر لذاته أن يكون قادرا على سائر أجناس المقدورات ومن كل جنس على ما لا يتناهى ، وهذا يوجب أن يكون في مقدوره من المحسن ما يستغني به عن القبيح ، إذ الحاجة إنما تتعلق بالضروب والأجناس دون الأعيان ، ألا ترى أن من احتاج إلى حلاوة ، لا تختص حاجته بحلاوة معينة لا يقوم غيره مقامها.
المستغني عن القبيح بالحسن لا يفعل القبيح :
وأما الكلام في أن المستغني بالحسن عن القبيح لا يختار القبيح فظاهر ، لأنا نعلم في الشاهد ضرورة أن أحدنا إذا استغنى باقتضاء دينه عن غصب مال الغير فإنه قط لا يغصب مال الغير ، لا ذلك إلا لاستغنائه بالحسن عن القبيح.
وأوضح في المثال من هذا ، هو من استغنى بماء الفرات عن اغتصاب شربة من ماء الغير بأن يكون على الشط فإنه قط لا يغصب تلك الشربة من غيره ، ولا وجه له إلا استغناؤه بالحسن على القبيح على ما ذكرناه. وهذه العلة بعينها قائمة في القديم تعالى ،