في اللوزينج ، والشفاء في الإهليلج ، وقد يشتهي ما لا يريده كالزنا وشرب الخمر وكالماء البارد في الحر الشديد وهو صائم ، فصح أنه لا يمكن أن يرجع بالإرادة إلى الشهوة ، وكما لا يمكن ذلك فكذلك لا يمكن أن يرجع بالكراهة إلى النفار ، فإن الحي قد يكره ما لا ينفر طبعه عنه وهو الزنا وشرب الخمر ، وقد ينفر طبعه عما لا يكرهه وهو الدواء الكريه ، فإذن لا يمكن أن يرجع بهما إلى الشهوة والنفار ولا يشتبه الحال فيما عداهما ، فخلصتا معنيين.
إذا ثبت هذا ، فاعلم أن الطريق إلى معرف هذه الصف في الشاهد إنما هو الضرورة ولا يمكن معرفتها استدلالا لأن كل دلالة تدل عليها فمبنية على العدل والحكمة ، ولا يثبت كون أحدنا عدلا حكيما : ولهذا فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لما ثبتت حكمته جاز أن يعرف مراده استدلالا كما يجوز أن يعرف ضرورة ، ومن هاهنا قلنا : إن من لم يثبت كونه عدلا حكيما ، لا يمكنه أن يعلم كونه مريدا.
قولنا : الله مريد لا يعني كونه قادرا لا عالما :
ونحن إذا قلنا : إن تعالى مريد فلا نعني به كونه قادرا ولا عالما ، لأنه قد يريد ما لا يقدر عليه وقد يقدر على ما لا يريده ، وهكذا في العلم وإنما مرادنا أنه حاصل على مثل صفة الواحد منا إذا كان مريدا.
وقد خالفنا في ذلك شيخنا أبو القاسم البلخي والنظام ، وقالا : إنا إذا قلنا : إنه تعالى مريد لفعل نفسه فمرادنا أنه يفعله لا على وجه السهو والغفلة ، وإذا قلنا إنه مريد لفعل غيره فغرضنا أنه آمر به ناه عن خلافه ، فلم يثبتا معنى هذه الصفة في القديم تعالى البتة. ونحن إذا أردنا إثباته لله تعالى فبأن نبين أولا صحته عليه جلّ وعزّ ، لأن إثبات الصفة تترتب على صحتها. والذي يدل على أن هذه الصفة تصح على الله تعالى ، هو ما قد ثبت أن المصحح لها إنما هو كونه حيا ، بدليل أن من كان حيا صح أن يريد ، ومتى لم يكن حيا لم يصح أن يريد ، فيجب أن يكون المصحح لهذه الصفة إنما هو كونه حيا.
إذا ثبت هذا والقديم تعالى حي ، وجب صحة أن يريد ويكره.
فإن قيل : ما أنكرتم أن المصحح لهذه الصفة في الواحد منا كونه ذا قلب؟ لأن هذه الصفة راجعة إلى الجملة ، فالمصحح لها لا بد أن يكون راجعا إلى الجملة ، والقلب فليس كذلك فكيف يصححها.