وهذه الطريقة لا يمكن سلوكها في القدرة والحياة ، فلا نقول : إن في العدم عجزا كما إن فيه قدرة ، ولا أن في العدم موتا كما أن فيه حياة ، لأن الموت والعجز ليسا بمعنيين فيجب أن نسلك طريقة أخرى غير هذه الطريقة ، فنقول : إن القدرة لا يصح الفعل بها إلا بعد استعمال محلها في الفعل أو في سببه ضربا من الاستعمال ، وكذلك الحياة لا يصح الإدراك بها إلا بعد استعمال محلها في الإدراك ضربا من الاستعمال ، وذلك يترتب على وجودها في محل.
فهذا هو الكلام في أنه تعالى لا يجوز أن يستحق هذه الصفات لمعان معدومة.
الدليل على أنه لا يستحق هذه الصفات لمعان محدثة
وأما الكلام في أنه تعالى لا يجوز أن يستحق هذه الصفات لمعان محدثة ، فهو أن المحدث لا بد له من محدث ، فلا يخلو أن يكون محدث هذه المعاني نفس القديم تعالى ، أو غيره من القادرين بالقدرة. لا يجوز أن يكون محدثها غيره من القادرين بالقدرة ، لأن القادر بالقدرة لا يصح منه إيجاد هذه المعاني. وأما العلم وإن صح منه إيجاده فإنما يصح منه إيجاده لنفسه لا لغيره ، لأن القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلا بالاعتماد ، والاعتماد ما لا حظ له في توليد العلم ، لأنه لو صح ذلك ، لوجب في الواحد منا إذا اعتمد على صدر غيره أن يوجد هناك العلم ، ومعلوم خلافه. ولا يجوز أن يكون محدثها نفس القديم تعالى ، لأنه يجب أن يكون على هذه الصفات قبل وجود هذه المعاني ، فلو ترتب حصول هذه الصفات على وجود هذه المعاني أدى إلى أن يقف كل واحد منهما على الآخر فلا يحصلان وذلك محال.
وتفصيل هذه الجملة ، هو أن القديم تعالى لو كان قادرا بقدرة محدثة ، والمحدث لا بد له من محدث ، لكان محدثها لا يخلو ، إما أن يكون نفس القديم تعالى ، أو غيره من القادرين بالقدرة. لا يجوز أن يكون غيره من القادرين بالقدرة لأن القادر بالقدرة لا يصح منه إيجاد القدرة ، على أن وجود القادرين بالقدرة يترتب على قدرة القديم تعالى ، فلو ترتبت قدرة القديم تعالى على قدرتنا لوقف كل من الأمرين على صاحبه فلا يحصلان ولا واحد منهما. ولو كان محدثها نفس القديم تعالى لوجب أن يكون قادرا قبل وجود هذه القدرة حتى يصح منه إيجادها ، ولا تصح قدرته إلا بعد هذه القدرة ، فيترتب كل واحد منهما على الآخر.
وكذلك الكلام في كونه تعالى حيا بحياة محدثة ، والمحدث لا بد له من محدث ،