هذا ثابت في الحدوث فهلا جعلتموها محتاجة إلينا من هذا الوجه؟.
فإن قيل : ما أنكرتم أنها متعلقة بنا من جهة الحلول؟ قلنا : لو كان كذلك لكان يجب أن لا نفرق بين اللون وبين هذه التصرفات ، لأن الحلول ثابت فيه ، والمعلوم خلافه. فصح أن الحاجة إلينا إنما هو للحدوث ، على ما ذكرناه.
أحد ما يدل على عدم خلق الله لأفعال العباد أن العاقل لا يشوه نفسه ولا يريد من غيره ذلك :
وأحد ما يدل على أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم ، هو ما قد ثبت من أن العاقل في الشاهد لا يشوه نفسه ، كأنه يعلق العظام في رقبته ، ويركب القصب ويعدو في الأسواق. فكما لا يفعل ذلك لا يتولاه ، فلا يتولى غيره أيضا ولا يريده منه. وإنما لا يفعل ذلك ولا يختاره لعلمه بقبحه ولغناه عنه. وإذا وجب ذلك في الواحد منا ، فلأن يجب في حق القديم تعالى وهو أحكم الحاكمين أولى وأحرى. وعلى مذهبهم أنه تعالى شوه نفسه وسوء الثناء عليه ، وأراد منهم كل ذلك ، تعالى عما يقولون.
فإن قيل : إن هذه الأشياء تقبح منا فأما من الله تعالى فلا ، وصار الحال فيه كالحال في الشرعيات ، فكما أن فيها ما يقبح من بعضنا ويحسن من البعض كالصلاة فإنها تقبح من الحائض وتحسن من الطاهر ، كذلك في مسألتنا.
قلنا : إنما وجب ذلك في الشرعيات ، لأن الوجه في حسنها وقبحها كونها مصالح ومفاسد ، والمصالح والمفاسد تختلف بحسب اختلاف الأشخاص والأوقات ، وليس كذلك في العقليات ، لأن الوجه في حسنها وقبحها وجوه تختصها ، فمتى وجد ذلك الوجه وجب قبحه أو حسنه ، سواء كان من الله تعالى أو من الواحد منا.
أحد ما يدل على أن الله لا يخلق أفعال العباد أن فيها ظلما وجورا وهذا لا يصح على الله :
وأحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون خالقا لأفعال العباد ، هو أن في أفعال العباد ما هو ظلم وجور ، فلو كان الله تعالى خالقا لها لوجب أن يكون ظالما جائرا ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ونحن قبل أن نحقق هذا الكلام عن الخصم نبين حقيقة الظلم.
اعلم ، أن الظلم كل ضرر لا نفع فيه ولا دفع ضرر ، ولا استحقاق ، ولا الظن