باقيين ، ثم لا يجب أن يكون حادثا على كل حال بل إذا جرى مجراه كفى ، ولهذا لا فرق بين قولهم أجيئك إذا طلعت الشمس أو صحت السماء ، وبين قولهم آتيك إذا أمسك المطر ، وبهذه الطريقة التي ذكرناها أبطلنا قول ابن زكريا المتطبب في الوقت : إن الشيء لا يتقدم على غيره إلا بوقت ومدة ، وقلنا له : إذا كان لا يجوز التوقيت بالباقي حتى لا يسمع قول القائل أجيئك إذا السماء ، فكيف يصح أن يوقت بالقديم وهل هذا إلا الجهل المحض. ويقال له : ـ وإن كان الكلام عليه هاهنا كالعارض ـ لا يخلو الوقت عندك من أن يكون شيئا واحدا أو أشياء ، وإذا كان أشياء لا يتقدم البعض منها على البعض كانت الحوادث كلها واقعة في وقت واحد ، وأما ما يجري مجرى الوقت الواحد ، فلا يثبت فيها التقدم والتأخر ، وإن كان أشياء يتقدم بعضها على البعض ، كان يجب أن لا يتقدم بعضها بعضا إلا بوقت ، والكلام في ذلك الوقت كالكلام فيه فيتسلسل بما لا نهاية له ، وذلك محال.
واعلم أن الموقت كالوقت في أنه ينبغي أن يكون حادثا أو ما يجري مجرى الحادث ، ولهذا يصح أن يجعل الوقت وقتا مرة ومؤقتا أخرى. بيان ذلك ، أن الإنسان ربما يقول : دخول زيد الدار حين طلوع الشمس ، وربما يقول : طلوع الشمس حين دخول زيد الدار ، فيوقت الأول بالثاني مرة ويوقت الثاني بالأول أخرى ، فيكون طلوع الشمس في إحدى الحالتين وقتا وفي الأخرى مؤقتا ، وذلك مما لا مانع يمنع منه.
الميت والمقتول ماتا بأجلهما :
وإذ قد عرفت هذه الجملة من حقيقة الأجل والوقت ، فاعلم أن من مات حتف أنفه مات بأجله ، وكذا من قتل فقد مات بأجله أيضا ، ولا خلاف في هذا.
والدليل عليه ، أن الأجل ليس المراد به هاهنا إلا وقت الموت ، وهما قد ماتا جميعا في وقت موتهما. وإنما الخلاف في المقتول لو لم يقتل كيف كان يكون حاله في الحياة والموت؟ فعند شيخنا أبي الهذيل أنه كان يموت قطعا لولاه وإلا يكون القاتل قاطعا لأجله وذلك غير ممكن ، وعند البغدادية أنه كان يعيش قطعا ، والذي عند ما أنه كان يجوز أن يحيا ويجوز أن يموت ، ولا يقطع على واحد من الأمرين فليس إلا التجويز.
وأما ما قاله أبو الهذيل فليس يصح ، لأن ذلك الأجل الذي لو لم يقتل فيه لبقي إليه أجل مقدر غير محقق ، فكيف يلزم أن يكون قاطعا لأجله والحال ما ذكرناه؟ ولو