كفرة ، ولهذا فإنه لما سئل عليهالسلام عنهم أكفار هم؟ قال : من الكفر فرّوا. فقالوا : أمسلمين هم؟ قال : لو كانوا مسلمين ما قاتلناهم ، كانوا إخواننا بالأمس بغوا علينا ، فلم يسمهم كفارا ولا مسلمين ، وإنما سماهم بغاة ، وقوله عليهالسلام حجة ، غير أن الاحتجاج به على الخوارج غير ممكن ، فإنهم ربما يكفرونه ، وربما يتوقفون في إسلامه.
وأحد ما يدل على أن صاحب الكبيرة لا يجوز أن يسمى كافرا آية اللعان ، فإن اللعان إنما ثبتت بين الزوجين ، فلو كان القذف كفرا ، لكان لا بد من أن يخرج أحد الزوجين بفسقه عن الإسلام فتنقطع بينهما عصمة الزوجية ، فلا يحتاج إلى اللعان ، فإنه لم يشرع بين الأجنبيّين ، وإنما يجري بين الزوجين ، فصح بهذه الجملة أن صاحب الكبيرة لا يجوز أن يسمى كافرا ، ولا يجوز أن يجري عليه أحكام الكفرة.
وكما لا يجوز أن يسمى بذلك ، فإنه لا يجوز أن يجري عليه ما يفيد كفرا مخصوصا ، فلا يسمى يهوديا ولا نصرانيا ولا متمجسا لأن هذه الأسماء تقتضي اختصاصه بأحكام مخصوصة ، وليس يستحق الفاسق شيئا من تلك الأحكام.
وكما لا تجري عليه هذه الأسماء فكذلك لا يجوز أن يسمى كافرا نعم الله تعالى ، خلاف ما يحكى عن الناصر وجماعة من الخوارج ، لأن هذا اللفظ في نقيض قولنا : شاكر نعم الله ، ومعنى قولنا شاكر نعم الله تعالى أنه ، معترف بنعم الله ومعظم له ، فنقيضه هو أنه لا يعترف بنعم الله تعالى ولا يعظمه عليها ، ولا شك في كفر من هذا حاله ، فكيف يطلق هذا الاسم على الفاسق ، فكما لا يجوز أن يجري عليه شيء من هذه الأسماء والأحكام التي تتبعها ، فكذلك لا يجوز أن يسمى منافقا ، خلافا لما يذهب إليه الحسن والبكرية.
مناظرة بين الحسن وابن عبيد :
والذي يدل على فساد هذا المذهب ، المناظرة التي جرت بين عمرو بن عبيد والحسن ، فإنه قال للحسن : أفتقول إن كل نفاق كفر ، قال : نعم ، قال : أفتقول إن كل فسق نفاق ، قال : نعم. قال : فيجب في كل فسق أن يكون كفرا وذلك مما لم يقل به أحد.
وتحقيق هذه الجملة ، أن المنافق صار بالشرع اسما لمن يستحق العقاب العظيم