بالتكليف إلى درجة لا تنال إلا به.
واتصل بهذه الجملة الكلام في أن الثواب لا يجوز الابتداء بمثله.
والذي يدل على ذلك ، هو أن الثواب نفع عظيم يستحق على طريق التعظيم ، وما هذا حاله لا يحسن الابتداء بمثله ، ألا ترى أنه لا يحسن من أحدنا أن يعظم أجنبيا على الحد الذي يعظم والده ، ولا أن يعظم والده على الحد الذي يعظم النبي ، وإنما لا يحسن ذلك لعدم الاستحقاق ، وإنما يستحق على هذا الوجه لا يجوز التفضل به ولا الابتداء بمثله فإن قال : لو كان الغرض بالتكليف الوصول إلى الثواب لكان يجب في من المعلوم من حاله أنه لا يصل إلى الثواب أن لا يحسن تكليفه.
تكليف من المعلوم من حاله أنه يكفر
والجواب ، إنا لم نقل إن الغرض بالتكليف إنما هو الوصول إلى الثواب ، وإنما الغرض في ذلك تعريض المكلف إلى درجة لا تنال إلا بالتكليف ، وذلك ثابت في من المعلوم من حاله أنه يصل إلى الثواب ومن المعلوم من حاله أنه لا يصل على سواء ، واتصل بهذه الجملة الكلام في تكليف من المعلوم من حاله أن يكفر.
وللجهل بوجه حسن هذا التكيف وقبحه ضل كثير من الناس ، حتى أن الملحدة تدرجوا بذلك إلى نفي الصانع ، وقالوا : لو كان هاهنا صانع حكيم لما صدر من جهته مثل هذا التكليف.
وجعلت المجبرة هذه المسألة من أعظم شبههم في الجبر وإضافة القبائح إلى الله تعالى ، وقالوا إن هذا التكليف قبيح لا محالة ، وقد حسن من الله تعالى ، وكذلك الحال في سائر القبائح.
والأصل في هذا أن نعلم أن من خالفنا إما أن يكون مقرا بالصانع أو منكرا ، ولا معنى لمكالمة من أنكر الصانع في هذه المسألة كما لا يحسن أن نكالم اليهود في المسح على الخفين مع إنكارهم النبوة ، وإذا كان من المقرين بالصانع ، فالكلام عليه إما أن يكون على الجملة ، أو على التفصيل.
وطريقة الجملة في هذا ، هي أن نقول : إن هذا التكليف صدر من جهة الله تعالى ، وقد ثبت عدله وحكمته وأنه لا يختار القبيح ولا يفعله ، فلا بد أن يكون حسنا ،