وفيها ما هو صغير ، أفي كتاب الله تعالى ذلك ، أم في سنة رسوله عليهالسلام ، أم في اتفاق الأمة؟
قيل له : أما اتفاق الأمة فظاهر على أن أفعال العباد تشتمل على الصغير والكبير غير أنا نتبرك به ونتلو آيات فيها ذكر الصغير والكبير وما في معناه ، قال الله سبحانه وتعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩] وو قال تعالى : (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣)) [القمر : ٥٣] وقال : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) [الحجرات : ٧] فرتب المعاصي هذا الترتيب ، بدأ بالكفر الذي هو أعظم المعاصي وثناه بالفسق وختم بالعصيان ، فلا بد من أن يكون قد أراد به الصغائر ، وقد صرح بذكر الكفر والفسق قبله. وقال أيضا : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم : ٣٢] فلا بد من أن يكون المراد باللمم الصغائر ، وإلا كان لا يكون للاستثناء معنى وفائدة ، إذ المستثنى لا بد أن يكون غير المستثنى منه. وقال أيضا : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] وأراد به الصغيرة على ما شرحه المفسرون لكتاب الله تعالى في تفاسيرهم. فبهذه الوجوه التي ذكرناها علم أن في المعاصي صغيرا كما أن فيها كبيرا ، وإلا فلو خلينا وقضية العقل لكنا نقطع على أن الكل كبير على ما ذكرناه ، وأبو هاشم كان يقول : كنا نعلم عقلا أن سرقة درهم لا تكون كسرقة عشر دراهم ، وأن أحدهما كبير والآخر خلافه ، وذلك مما لا يصح لما قد تقدم.
خلاف جعفر ابن حرب :
ومما يذكر هاهنا ، خلاف جعفر بن حرب : أن كل عمد كبير ، وأظن أن ذلك مذهبا لبعض السلف من أصحابنا ، والذي يدل على أن ذلك مما لا يصح ، هو أن الكبير الصغير كما بينا إذا كان كلاما في مقادير الثواب والعقاب فلا بد من أن يكون الطريق إليه دلالة شرعية ، ولا دلالة تدلنا على أن كلها عمد كبير فيجب التوقف فيه ، ويجوز أن يكون كبيرا ، ويجوز أن يكون صغيرا.
وبعد ، فإن الكفر يكون كفرا وإن لم يكن هناك عمد ، وكذلك الكبير لا يمتنع أن يكون كبيرا ، وإن لم يكن هنا عمد ، فلا يثبت والحال هذه للعمد تأثير ، فكان يجب متى وقع الفعل الذي لا يمكن القطع بكونه كبيرا ولا عمد هناك إلا بقطع بكونه كبيرا وإن كان هناك عمد ، لأن العمد مما لا تأثير له في كون الفعل كبيرا أو صغيرا.