ليس بواجب بما ذكرنا ، فيجب الاقتصار عليه.
فإن قيل : إن لم تعتبروا في حد الواجب استحقاق المدح بفعله انتقض بهرب الملجأ ، لأن الملجأ إلى الهرب لو مكث ولم يهرب لاستحق الذم بتركه الهرب مع أن الهرب غير واجب عليه ، إذ الوجوب والتكليف لا يتصور ان مع الإلجاء ، ولو اعتبرتم في الحد استحقاق المدح بفعله لم ينتقض بذلك لأنه ، وإن استحق الذم بترك الهرب ، لم يستحق المدح بفعله.
قيل له : إن من مكث ولم يهرب لا يكون ملجأ إلى العرب ، لأنه لو كان ملجأ إلى الهرب لوقع منه الهرب لأن الملجأ هو من بلغ داعيه حدا لا يقابله داع آخر ، ويقع منه ما ألجئ إليه لا محالة. فإذا لم يكن ملجأ لم يمتنع وجوب الهرب عليه دفعا للضرر عن نفسه ، فلذلك استحق الذم بترك الهرب وأنت أردت أن تصور الكلام في الملجأ فصورته في غيره.
سبب اعتماد هذا التعريف للواجب :
فإن قيل : لم قلتم : إن هذا هو حد الواجب؟
قيل له : لأنه أوضح من قولنا واجب ، وينبئ عن فائدته ويحصر معناه ، وهذا هو الغرض بالتحديد.
وإن شئت قلت في حد الواجب : هو ما للإخلال به مدخل في استحقاق الذم ، أو للإخلال به تأثير في استحقاق الذم ، وهذان الحدان كالأول في الصحة إلا أنهما أوجز وأخصر ، ولهذا لا يرد عليهما من الأسئلة ما يرد على الأول.
مفهوم القبح :
ولما كان الواجب ما به ترك قبيح بين حقيقة القبيح فقال :
القبيح هو ما إذا فعله القادر عليه استحق الذم على بعض الوجوه ، وقوله على بعض الوجوه : احتراز من الصغيرة ، فإنها قبيحة ومع ذلك فإنه لا يستحق الذم عليها بكل وجه ولكن يستحق الذم عليها على بعض الوجوه ، وهو أن لا يكون لفاعلها من الثواب قدر ما يكون عقاب هذه الصغيرة مكفرا في جنبه ، وكذلك فإنه احتراز من القبائح الواقعة من الصبيان والمجانين والبهائم ، فإنها على قبحها لا يستحق الذم عليها بكل وجه ، ولكن يستحق الذم عليها على بعض الوجوه ، وهو أن تقع ممن يعلم قبحها ،