(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا).
ومن جملتها ، قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) [الإسراء : ٩٤] فلو كان الإيمان من جهة الله تعالى وموقوفا على اختياره ، حتى إن خلق كان ، وإن لم يخلق لم يكن ، لكان لا يكون لهذا الكلام معنى ، لأن للمكلف أن يقول : الذي منعني منه أنك لم تخلقه فيّ ، وخلقت في ضده الذي هو الكفر ، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا شديدي غلامه إلى رجليه ، ويطرحه في مقر بيت مظلم ، ويغلق عليه الأبواب ، ويقول : يا شقي لم لا تخرج من هذا البيت ، وما منعك منه؟ فكما أن هذا سخف منه ، كذلك في مسألتنا.
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ).
ومن ذلك أيضا ، قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) أورد ذلك متعجبا منهم في الكفر ، مع ماله عزوجل عليه من النعم. ولو كان كما قالوه لم يكن للاستعجاب موضع ولكان بمنزلة قوله كيف تسودون ، وقد أنعمت عليكم وفعلت وصنعت ، فكما أن ذلك مما لا وجه له لما لم يكن الاسوداد متعلقا بهم وموقوفا على اختيارهم ، وكذلك في مسألتنا.
على أن مع هذا المذهب لا يثبت لله تعالى نعمة على الكفار ، لا نعمة الدين ولا نعمة الدنيا. أما نعمة الدين فلا إشكال فيه ، لأنه قد خلق فيهم الكفر ، والقدرة الموجبة له ، وسلبهم الإيمان وقدرته وإرادته ، وجعلهم من الأشقياء ، فكيف يثبت له عليه نعمة. وأما نعمة الدنيا ، فلأن هذه المنافع وإن كانت تصل إليهم في الحال ، فإنها من حيث توصلهم إلى النار الأبد ، والعقاب السرمد ، بمنزلة الخبيص المسموم الذي يؤدي إلى الهلاك ، فكما أن من قدمه إلى غيره لا يكون منعما بذلك عليه ، كذلك في هذا الموضع. وأيضا فلا بد من أن يكون غرض الموصل النفع إلى الغير نفعه ، حتى يكون منعما عليه ، وعلى مذهبهم لا يعلم أن غرض القديم تعالى بذلك نفع الكافر ، بل من المجوز أن يكون ذلك لكي يكون أدخل في إضلاله وإغوائه ، فمتى تثبت لله والحال هذه نعمة على الكفار بل على المؤمن أيضا؟.
(جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
ومن ذلك ، قوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)) وقوله : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠)) [الرحمن : ٦٠] فلو لا أنا نعمل ونصنع ، وإلا كان هذا الكلام كذبا ، وكان